سوف أبدأ بسرد أمثلة من الواقع عايشتها ولازلنا نعيش بعضها لأستدل بها على أننا نضيع جهودا وطنية جبارة ونهدر وقتا ثمينا بإيكالنا الإدارة لفنيين لا يفقهون في الإدارة منهم الصيادلة والأطباء والمهندسون، ونتجاهل المتخصصين في علم الإدارة وفن القيادة، وسوف أتطرق لأمثلة فقط من خسائرنا الوطنية في هذا الصدد. صيدلي حديث تخرج نبتعثه للتخصص في فرع هام من فروع الصيدلة الإكلينيكية، ونصرف على بعثته الطويلة مبالغ طائلة، ثم بعد عودته متخصصا في فرع نادر وأثناء ممارسة تخصصه الدقيق وحصوله على ما يكفله له النظام العادل وكادر الممارسين الصحيين من راتب وبدلات يسعى وعبر الواسطة والفزعات أن يعين مدير تشغيل يمارس إدارة هامة ومصيرية في مؤسسة صحية ضخمة، وهو لا يملك أي تأهيل إداري ولا خبرة إدارية ولا روح قيادة ولا يعول عليه في اتخاذ قرار إداري صائب نحو الأقسام الحيوية التي ربط مصيرها بتصرفاته الرعناء، وفي نفس الوقت خسرناه كصيدلي إكلينيكي صرفنا على تعليمه، وفي نفس الوقت هو يتقاضى رواتب وبدلات صيدلي مختص من الكادر الصحي (وهو في مكتب) ومميزات المدير التنفيذي فيحبط زملاؤه، ليس هذا وحسب بل إنه وحفاظا على هذا المكسب الذي جاء بالفزعة يحارب كل زميل يحمل مؤهل الدكتوراه ويمارس تخصصه بسبب الغيرة المهنية المعروفة علميا في مواقع العمل professional jealousy، وفعلا خسرت المؤسسة عددا من العاملين في الصيدلية من حملة الدكتوراه. طبيب يفترض أن يمارس ما درس وتخصصه أيا كان، يصل لمنصب إداري بحت وهو لا يملك أي خلفية إدارية، وهذا استشهدت أنا وغيري بكثير منهم على مدى سنوات، إلا أن الذي لم نتطرق له من قبل هو أنه إضافة لخسارته كطبيب نخسر زملاءه المتميزين لنفس السبب المقيت (الغيرة المهنية) وليس هذا وحسب بل إنني شهدت، والألم الوطني يعصر قلبي، شهدت أن إنجازات ونجاحات وطنية عظيمة مثل زراعة الكبد توقفت وكدنا نخسرها بسبب الغيرة المهنية وسلطة طبيب على طبيب إداريا، ولو كان المدير إداريا قائدا فإن الوطن يتسع لأكثر من نجاح، ليس هذا وحسب بل إن مراكز طبية عظيمة ألغيت بسبب التنافس والغيرة والعناد بين أصحاب المهنة الواحدة الفنية (أطباء). السلبية الثالثة لإدارة الفني (غير الإداري) أن بقية الفنيين (أطباء أو صيادلة أو غيرهم) وبسبب الإحباط والتنافس المهني والغيرة المهنية لا يعملون لإنجاح زميلهم بل يسعون لإسقاطه طمعا في منصبه ولو كان المنصب الإداري حكرا على المؤهل إداريا ما حدث هذا، فيا وطني تنبه لهذه السلبية وليكن المختص في مكانه الذي علمناه ليعمل به. * كاتب سعودي www.alehaidib.com