89 تستدعي الخواطر فيها حكايات الآباء والأجداد، فعندما كنت طفلاً، كنت أستمتع لمجالستهم وكانت بالنسبة لي كروايات فيها من ال (Actions)، انتظرها بالشوق في الصباح والعشي، إذ اعتادوا في كل يوم يميلون من نقطة انطلاقهم المسجد بعد الفجر أو بعد العصر إلى مجلس من مجالسهم يتبادلون فيه مع فناجين القهوة الأحاديث الودية وأحوالهم اليومية، إلا أنه لفت انتباهي في هذه الروايات بعد الثناء والشكر لله، استهلالهم الدائم والمستمر وتصدر بطلها الملهم في إطرائهم لمؤسس هذه الدولة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله-، ووصفهم لما تم على يديه من توحيد لهذه البلاد وانصهار الفروقات الاجتماعية في هوية وطنية واحدة والتفاف الشتيت القبلي والمناطقي في بوتقة واحدة واجتماع الكلمة وشيوع الألفة والمحبة بينهم، فتبدلت الأحوال الاجتماعية والاقتصادية البئيسة الى مشاريع تنموية مزدهرة ومساجد جمعة وجماعات ومآذن تعلو فيها كلمة الحق (الله أكبر) فقط، كما كنت أشعر بأنهم يتحدثون عن معجزة ساقها الله لينقذ الله على يديه أهل هذه البلاد وينقلهم من وضعهم البئيس إلى رؤية واعدة للأجيال جيلاً بعد جيل في هوية أمة واحدة، وقد تحققت على يديه باكورتها واستلم الراية من بعده أبناؤه البررة الملوك سعود ففيصل فخالد ففهد فعبدالله -رحمهم الله جميعا- والآن ونحن في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان نصره الله، ها نحن نقطف ثمرت هذا التأسيس، أحسبه بداية الثالث. ومن الأهمية بمكان أن نذاكر التأريخ جيداً لندرك المخاطر، فتعالوا للدرس الأول من حكايات الأجداد والآباء، وكنت أتأمل في حجم العوض الذي أخذه هؤلاء الأجداد مقابل هذا الولاء منقطع النظير ومع تحليلي لتفكيرهم وأخلاقهم وديانتهم وجدت أن العوض هو الله والدار الآخرة فنعم البيعة، وهذا هو سر تماسك هذه البلاد حكومة وشعباً. فالملك المؤسس عندما دخل الرياض عام 1319ه ما كان يدور في خلده أن ربع احتياطي النفط في العالم يجثم تحت قدميه، وبهذه المناسبة استدعي كلمة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان سلمه الله قال فيها (الملك عبدالعزيز والرجال الذين عملوا معه في كل أنحاء المملكة لما أسسوا هذه الدولة ما كان فيه نفط وأداروا هذه الدولة بدون نفط وعاشوا في هذه الدولة بدون نفط وتحدوا الاستعمار البريطاني دون نفط... إلى أن قال.. كأنه دستورنا الكتاب والسنة ثم البترول هذه خطيرة جداً نحن صار عندنا حالة إدمان نفطية... إلى أن قال في معرض مقابلته مع تركي الدخيل في قناة العربية (إن في 2020 نستطيع أن نعيش بدون نفط). فالهدف الإستراتيجي الذي نستنتجه من سيرة الملك المؤسس الذي ملك شغاف قلوب الأجداد والآباء قبل ملكه للبلاد هو تنمية رأس المال الاجتماعي، أي بمعنى بناء البشر قبل الحجر وذلك بالقيم الاجتماعية (الصلاة، الصدق، العلم، الإخلاص، الأمانة، المسؤولية، الوفاء، النزاهة...إلخ) فمجموعة هذه القيم يطلق عليها هوية الأمة، وبها تنتصر على أعدائها أو بضعفها أو تخليها عنها تنهزم ويتسلط عليها أعداؤها. [email protected]