هناك فرق شاسع بين التحضر الاجتماعي والثقافي وبين الانحلال الأخلاقي، حتى وإن كان البعض يرى غير ذلك، إلا أن الانحلال الأخلاقي لا يخلو منه مجتمع على صعيد السلوك الفردي بصرف النظر عن مستواه الحضاري، وهو في الوقت نفسه لا يأتي كتبعة للتحضر، لأن التحضر الثقافي في مجتمع ما يعني بالضرورة نمو الوعي المدني الذي يترافق مع تفعيل الكثير من الأنشطة الاجتماعية والثقافية على تنوع وتعداد أنماطها، إضافة لإسهامه في انتشار ظواهر الحراك المعرفي الذي يخرج المجتمع من حالة الانغلاق إلى الانفتاح الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بإنتاج المعرفة وتراكمها. للتحضر الاجتماعي آليات واتجاهات وأسس يعمل عليها للمحافظة على القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية، حتى ولو اكتسبت تلك الآليات سمات التدرج والتطور الثقافي بالمعايير التي يفرضها التحضر، وهنا يترابط أسلوب الحياة مع الأنماط السلوكية التي تضاف من خلال تنوع وتعدد الأنشطة على السلوك الاجتماعي. إن الانحراف والجنوح في سلوك الفرد ناتج عن خلفيات لا تتحدد بشكل خاص في التحضر، بينما التحضر يخلق بيئة تفاعلية لها دورها المميز في التنمية المعرفية ما يجعل الفرد يفهم دوره ويحاول التركيز على الإيجابي من السلوك وبالتالي المسؤولية، هذا ما يجعل النظرية المتداولة عند البعض والتي تربط بين تحضر المجتمع وتدهور أخلاقه؛ استنتاجا خاطئا وغير علمي ولا يبنى على أي أساس من الصحة. * كاتبة سعودية