الحديث عن أخطاء الإحصاءات وطرق اكتشافها متشعب وشائك، لهذا حاول بعض الباحثين تلخيص عدد من الأسئلة التي يمكن أن تُساهم بشكل عام في التقليل من هامش الأخطاء المُرتبطة بالبيانات وترفع -بالوقت نفسه- من مستوى الوعي الإحصائي لدى المتلقي وتجعله أقل عرضة للتضليل في الجوانب الإحصائية. هذه الأسئلة يمكن طرحها في سياق أي موضوع يمر أمام عينيك سواءً كان ذلك في جريدة مقروءة أو تقرير إعلامي أو موقع تواصل اجتماعي. أول هذه الأسئلة هو: من الذي يقول هذا؟ وهذا يعني أن أول شيء يجب البحث عنه هو مصدر الخبر والإحصائية ومن ثم معرفة مدى الثقة (أو التحيّز) لديهما وهل هناك من يسعى إلى إثبات شيء ما أو يسعى إلى بناء قصة مثيرة أو يهدف إلى رسم انطباع محدد؟ تذكر دائماً عزيزي القارئ أن الإحصاء كذلك يتطلّب منك تفكيراً ناقداً. ثاني الأسئلة متعلق بمعرفة هل هناك شيء مفقود في القصة؟ هذه نقطة مهمة جداً لأنها مرتبطة بآلية تجميع عيّنة البيانات ومدى تمثيلها لمجتمع الدراسة وهل هي كبيرة بما يكفي للسماح باستنتاج يمكن الاعتماد عليه. في بعض الأحيان يتم إعطاء النسب المئوية مع أن الأرقام الأولية مفقودة أو أن الأعداد صغيرة. يحكي الدكتور عبدالله الجغيمان عضو مجلس الشورى وأستاذ تربية الموهوبين قصة طريفة حدثت قبل سنوات عدة عندما تفاجأ سكان إحدى المحافظات «المٌحافِظة» بتقرير في أحد الصحف مفاده بأن 50% من نساء المحافظة قد أقلعن عن التدخين، وبعد أن تسبب التقرير في بلبلة لم تنته إلا في اليوم التالي عندما اضطرت الجريدة إلى توضيح أن هناك سيدتين اثنتين قد راجعتا عيادة مكافحة التدخين، وأن واحدة منهن قد نجحت بالإقلاع عن التدخين بالفعل. يُقابل هذه الطرفة، قصة حقيقية من الولاياتالمتحدة عندما بدأت جامعة جونز هوبكنز في قبول الطالبات قبل مدة طويلة فقام شخص مُعارض للتعليم المختلط بنشر خبر مفاده بأن 33% من الطالبات في الجامعة قد تزوجن من أعضاء هيئة التدريس، وعند البحث وجدوا أن هناك ثلاث سيدات ملتحقات بالجامعة في ذلك الوقت، وكانت إحداهن بالفعل متزوجة من أحد أعضاء هيئة التدريس. وربما تكون قد قرأت أو سمعت بالنقاش الدائر حول علاقة تطعيم الأطفال بالإصابة بالتوحد وأن هناك زيادة في أعداد الأطفال المصابين بالتوحد! هل سألت نفسك عن تطور أدوات التشخيص عما كان عليه في السابق؟ هل تساءلت عن الدور الذي تقدمه الخدمات الاجتماعية والمالية المقدمة لأسر هؤلاء الأطفال في الكشف المزيد عن الحالات؟ قد لا تعرف كذلك أن كثيرا من حالات التوحد كان يتم تشخيصها سابقاً كنوع من التخلف العقلي أو صعوبات تعلم؟ ولن تغفل بالتأكيد عن ارتفاع الوعي الاجتماعي وخروج التوحد من دائرة العيب والعزلة التي كانت سائدة في وقت ما في بعض المجتمعات. الإشكالية في أخطاء البيانات أنها لا تقع فقط من غير المتخصصين أو أنها متعلقة بعدم صحة قراءة الأشخاص العاديين للجداول والإحصائيات، بل إن الأمر تعدى إلى أكبر من ذلك. يقول أحد الباحثين من جامعة إدنبرة إن 34% من العلماء الذين شملهم الاستطلاع قد اعترفوا بالقيام بممارسات بحثية مشكوك فيها بما في ذلك تشذيب المدخلات الرقمية لتحسين النتائج وكذلك حجب تفاصيل معينة أو تفسير البيانات بطريقة غير مناسبة أو التخمين لأخرى. هناك مقولة مشهورة حول «أن الطريق إلى الجحيم مُمهد بالنوايا الحسنة»، لكن الإحصائيين لا يترددون من باب المُحاكاة أن يحولونها إلى: «الطريق إلى الجحيم مُلغم بالإحصاءات الرديئة». * كاتب سعودي Dr__Melfi@