تتعرض المملكة العربية السعودية إلى حرب إعلامية شرسة سواء من الإعلام القطري التركي أو من الإعلام الإيراني في محاولة بائسة لتشويه مواقفها من جملة القضايا التي تعصف بالمنطقة. في ظل التصعيد الذي تشهده منطقة الخليج فإن هنالك محاولة قائمة على قدم وساق من أجل تحريف المواقف السعودية من الملف الايراني، مع أن المملكة العربية السعودية لم تغير مواقفها طوال العقود الماضية، لا قبل الملف النووي الإيراني ولا بعده، ولطالما جنحت المملكة إلى السلم عندما تكون هنالك بوادر لدى النظام الإيراني ولطالما عبرت عن قلقها وبواعث التشكيك والشك في مواقف نظام الملالي. أما وقد تصاعد الموقف والتوتر في منطقة الخليج ازدادت الحملات الإعلامية من قبل المنابر التي ترعاها قطر وكذلك التي ترعاها تركيا فضلا عن تلك الإيرانية لإدانة المملكة العربية السعودية وتشويه موقفها من الأزمة الجارية حاليا، لذلك من المفيد التذكير في الأسس التي تقوم عليها السياسة السعودية. تريد المملكة العربية السعودية سواء مع إيران أو مع غيرها من دول الإقليم بناء علاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا عكس ما يريده النظام الإيراني الذي يبني سياسة تعتمد على التغلغل في دول الجوار وهذه الحقيقة تكرست في إيران منذ ثورة الخميني وحتى الآن. لطالما تبنت طهران سياسات الهدف منها تصدير الثورة ومحاولة تمزيق النسيج الاجتماعي لدول الجوار وضرب الوحدة الوطنية وإثارة النزعات المذهبية، هادفة من وراء ذلك بناء تنظيمات تتجاوز الدولة ونظامها إلى تنظيمات ما قبل الدولة. أرادت المملكة من إيران أن تكون عامل استقرار في المنطقة وليس عامل زعزعة للاستقرار ولكن نظام الملالي يصر على التدخل في شؤون الدول الأخرى ويصر على بناء المليشيات في محاولة لتكريس النموذج الإيراني في دول الجوار والذي يعتمد على مليشيات الحرس الثوري الإرهابية لذلك وجدت نتيجة النشاطات الإيرانية في نماذج أخرى تجتاح المنطقة كما في لبنان مع حزب الله أو في اليمن مع الحوثي، ويريد نظام الولي الفقيه أن يمتد هذا النموذج إلى كافة الدول العربية، بحيث يكون داخل كل دولة عربية مجموعة تتبع أيديولوجيا للولي الفقيه، تنفذ أوامره وسياساته وهذا ما ترفضه المملكة العربية السعودية رفضا قاطعا وترفضه معظم دول الإقليم. من هنا رفضت المملكة العربية السعودية المشروع النووي الإيراني باعتبار أن ذلك تهديد خطير للمنطقة برمتها طالما أنها تعتمد على زرع المليشيات في المنطقة وطالما أنها تمثل تهديدا على الدول الأخرى. عندما جرت المفاوضات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والنظام الإيراني أيدت المملكة الاتفاق النووي ولكنها بقيت متشككة في النوايا الحقيقية للنظام الإيراني، وبعد مرور سنوات ها هو الغرب وها هي الولاياتالمتحدةالأمريكية تكتشف بأن إيران كما توقعت المملكة غير جديرة بالثقة التي يمكن أن تعطى لها وفقا لهذا الاتفاق. عبرت المملكة العربية السعودية عن رفضها للخطوط الأساسية للسياسة الإيرانية في المنطقة والتي أولها هو التهديد العسكري عبر برنامج الصواريخ الباليستية، هذا السلاح يصبح خطرا على الأمن القومي عندما يوضع بين أيدي نظام لا يتحلى بالمسؤولية ولا بالثقة وهو لم يصل بعد إلى مفهوم الدولة وإنما ما زال يعيش مرحلة المراهقة الثورية، والخطر الآخر عندما توصل إيران هذا السلاح إلى مليشياتها الإرهابية في المنطقة، حيث أوصلت إيران تلك الأسلحة الإستراتيجية إلى مليشيات تعيث فسادا في المنطقة برمتها كما حزب الله الذي استخدم تلك الصواريخ في مواجهة الشعب السوري وكما جماعة الحوثي التي استخدمت أيضا تلك الصواريخ في مواجهة الشعب اليمني ودول المنطقة برمتها. كما ترفض المملكة العربية السعودية سياسة الهيمنة التي يعمل عليها نظام الملالي في طهران عبر زرع ذيول وأذرع له في الدول الأخرى، وكذا محاولة تحويل المنطقة إلى ساحة خلفية لنفوذه وهذا أمر مرفوض لدى كافة الأطراف العربية. صحيح أن هناك خلافات بين الدول العربية على كيفية التعاطي مع الأخطار وبواعث القلق الإيرانية ولكن معظم الدول العربية تجمع على ضرورة تغيير النظام الإيراني لتلك السياسات في المنطقة. أكثر من ذلك هنالك إجماع غربي تم التعبير عنه من قبل الإدارة الأمريكية وكذلك الدول الأوروبية، وعلى لسان أكثر من مسؤول ولعل الأكثر وضوحا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. بعد كل هذا العرض، السؤال الآن والذي أجاب عليه وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي الأستاذ عادل الجبير هل المملكة العربية السعودية تريد مواجهة مفتوحة وشاملة مع الجانب الايراني؟ الإجابة بكل وضوح (لا)، لا تسعى المملكة العربية السعودية إلى تلك المواجهة ولكن المملكة مستعدة للدفاع عن أراضيها ومستعدة للوقوف بوجه أي اعتداء يمكن أن تقوم به إيران أو أذرعها والمليشيات التابعة لها في المنطقة، وهي لديها الوسائل والإمكانيات للرد على أي اعتداء بقوة وحزم. بالرغم من المحجة البيضاء التي يقف عليها الموقف السعودي تجاه الملف الإيراني وتجاه مجمل ملفات المنطقة، إلا أن محاولات التشويه ومحاولات الضخ في الحرب الإعلامية ضد المملكة لم تتوقف، ولكن مواقف المملكة سوف تبقى كما عهدناها واضحة وواثقة وتتميز بالعزم والحزم إذا تطلب الأمر. * باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط