من الجيد أن تمتلك مجموعة من المهارات، تبدل فيما بينها حسب الحاجة. لفترة عَملتُ في وظائف عدة، تُركز على جانب الدقة والجودة، وبسبب علاقة تخصصي الجامعي بإدارة الأنظمة، ترسختْ فكرة الجودة، ومنهجية الدقة في حياتي العملية. تمت ترقيتي لأول وظيفة إشرافية، فتعلمتُ درساً من قامة إدارية ناجحة جداً. علّق على نتائج أول مهمة يُوكلها لي قائلاً: "يا فهد أنا ما أبغى شغل محامين، لا يهمني أن تكون تملك ما يثبت ما تقول؛ ما أريده هو نتائج، لا أدلة على إخلاء مسؤولية". كانت تلك الجمل صادمة جداً، خاصة الأخيرة، ولكنها تحوي رسالة مهمة، علمتني درساً مهماً جداً. بعض المديرين لا يزالون يعيشون ضمن حدود تلك الدائرة الضيقة، رغم انتقالهم لدائرة أوسع. قد تكون بعض الصفات مطلوبة لبعض الوظائف الإدارية ذات المستوى الإداري الأولي، كالمشرف على أداء عمّال. أما ما يخص قيادة الموظفين المحترفين؛ فلا يُعقل أن تُترك القيمة الحقيقية لتقريرٍ مثلاً، لِيُركز على أشياء يَخجل غيره أن يتحدث عنها، مثل درجة لون الخط، أو تصميم الجدول المرفق، أو صيغة التاريخ. تُشَكِّل تلك التعليقات عِبئاً نفسياً على الموظف، وتستنزف منه جهداً كبيراً، وتحسسه باستنقاص القيمة المرجوة من ذلك التقرير. تتجه الشركات الراقية والقادة المميزون لتحديد الهدف، وترك الكيفية للموظف - مع مراعاة الضوابط العامة بدون شك. وتكمن المشكلة في كون المدير لا يزال يمارس مهام مشرف عمال، وكذلك في كونه يريد أن تكون له بصمة في كل شيء، وكلمة في كل وقت، وتوقيع على كل فكرة. هذا النوع من المديرين سيكون دوماً مشغولاً؛ وحتماً يوماً سينهار، لأنه لا يُفَوِض الأعمال، فضلاً عن الصلاحيات. ولأنه تفصيلي، ولأنه لا يعطي فرصةً لموظفه ليتخذ القرار -بحجة أنه لا يملك الخبرة الكافية، متى سيمتلك الخبرة المزعومة دون إعطائه فرصة! المناصب القيادية تحتاج لمن يستطيع التنقل بين محتوى سلة من المهارات، يختار لكل ظرف ما يناسبه، فالدقة مطلوبة في ظرف، والإنجاز الأولي في ظرف آخر. الزمن يتسارع، والمنافسة على أشدها، والمنظمات الربحية لا تجامل ولا تحابي، ولن تُبقي على بعضهم، كما فعلت مع نسخة فهد القديمة.