تنهيدة عميقة خرجت من صدري، شكلت دائرة بيضاء اخترقت زجاج سيارتي الأمامي لتصبح كطائر نورس يدلني على الطريق لأجد نفسي في شارع التحلية باتجاه البحر. جلست عند الشاطئ متجهاً غرباً، فإذا التنهيدة تَمثُل أمامي ليكبر طائر النورس ويفرد جناحيه اللذين أخذا يكبران شيئاً فشيئاً ويطلب مني الصعود. لم أتردد، صعدت وبكلتا يدي ممسكاً بطرف جناحيه ليحلق بي بعيداً عبر البحر الأحمر غرباً. تراءت لي بيوت متواضعة.. سألت النورس: أين نحن؟ فقال إنها أرض السُمُر. اتجه النورس جنوباً وكدليل سياحي أخذ يحدثني عن كل منطقة نمر بها بدءاً من دار الهدندوة والبجة وأنظر يميني لأرى من على البعد جبال التاكا حتى وصلنا جنوباً إلى النيل الأزرق حيث خزان الروصيرص وغرباً حتى جبال النوبة ومنها حتى جبل مرة وشمالاً فاشر السلطان ليعود بي باتجاه الجنوب الشرقي حتى مدينة الأبيض، ثم اتجه شمالاً حتى مدينة حلفا وجنوباً حتى سد مروي لأرى جبل البركل يقف شامخاً كحارس لمدينة كريمة، ثم أبوحمد شرقاً ومنها جنوباً إلى عطبرة ليتواصل التحليق حتى العاصمة الخرطوم ومنها جنوباً إلى الجزيرة الخضراء قلب السودان النابض. في كل مدينة أو منطقة نحلق فوقها كان يطعمني من خيراتها الشيء اليسير، وبدخولنا أرض الجزيرة اشتدت الرياح المحملة بالأمطار فإذا بطائر التنهيدة يذوب رويداً رويداً ليصبح جزءاً من حبات المطر سَقَطْتُ معها من علو شاهق في ربوع أرض الجزيرة ليغمرني الماء وأذوب رويداً رويداً في العمق. فإذا بجسدي المتحلل في التربة ينبت من خيرات ما أطعمني طائر التنهيدة.. قمحاً.. ذرة.. دخناً.. نخيلاً.. فواكه.. إلخ.. طاب لي المقام وطابت لي الديار.