من قال إن الدكتوراه درجة علمية شاقة صعبة المنال مرهونة بالتميز البحثي والاجتهاد العلمي؟ من قال إن الاستحواذ على لقب دكتور أو دكتورة يستدعي الكثير من الانتظار والجهد والعمل؟ في هذا العصر الإليكتروني عزيزي القارئ أنت على مقربة من حصولك على تلك الدرجة وذاك اللقب دون عناء، فقد لا يكلفانك أكثر من ضغطة زر بحاسوب ومبلغ مقتطع من المال تودعه في رصيد أحد مراكز بيع الشهادات، ولربما تحصل على درجة علمية أخرى مجانية إن اخترت مصدر حصولك على تلك الشهادة بعناية، أما من شقّ عليه التواصل أو تكاسل عن الدفع لتحقيق بغيته، فما زال الأمل قائماً أيضا بحصوله على دكتوراه وإن لم يسعَ لها، فقد يستفيق من نومه ليجد رسالة في بريده الإليكتروني أو هاتفه المحمول تفيد باستحقاقه لدرجة الدكتوراه الفخرية لعظمته من إحدى الجهات التي تدعي ارتباطها بالتعليم العالي أو إحدى الجامعات المرموقة، هكذا ودون عناء سيحصل على الدكتوراه الفخرية، وسيجد من يصدّق استحقاقه لها ويغازل ثقافته وأعماله العظيمة بين يوم وليلة. آلاف الأشخاص من حملة الشهادات الوهمية المشتراة يسرحون ويمرحون بعالمنا العربي، بينهم قيادي ورئيس تنفيذي وأستاذ جامعي وطبيب جراح ومهندس ومحاسب وغير ذلك، تمكّنوا من شركاتنا وجامعاتنا ومستشفياتنا ومؤسساتنا وبنوكنا، هكذا وبضغطة زر واحدة أو اتصال واحد وخلال أسبوع واحد تحصلوا على تلك الشهادات الوهمية وأتخموا بها سيرهم الذاتية محتلين وظائف لا يستحقونها، ونتساءل عن عطالة حملة الدرجات العليا وأسبابها؟! أما أولئك المتباهون من العوام من العرب ممن حصلوا على دكتوراه فخرية وصدقوا استحقاقهم لها، فعليهم أن يراجعوا أنفسهم إن كانوا حقاً قد قدموا أعمالاً نوعية أو استثنائية أو نضالية تستحق ذلك اللقب الرفيع، كما عليهم مراجعة ماهية الجهات المانحة لذلك التكريم إن كانت مؤسسة علمية عريقة معترف بها أكاديمياً ومجازاً لها بمنح الشهادات العلمية والفخرية، قبل أن يتحولوا لسخرية وألعوبة بيد المؤسسات الهابطة التي تسوّق لنفسها، مع العلم أن من يحصل على الدكتوراه الفخرية (وهو مستحق لها فعلياً) لا يمكنه استخدامها لغرض التوظيف ولا حتى إدراج حرف الدال أمام اسمه أو مناداته بدكتور بأي جهة أو وسيلة إعلامية كانت، فهي دكتوراه معنوية فخرية لا حقيقية. الوهم وبائعوه يعبثون بسمعة العلم والعمل بعالمنا العربي، والجهود الفردية الجبارة التي يقوم بها الزميل الدكتور موافق الرويلي منذ سبعة أعوام في وسمه (هلكوني) في تويتر تحتاج لدعم رسمي ومؤازرة نظامية كي تجني ثمارها، فهل من حرب رسمية يا حكومات العرب على تلك التجارة المضروبة التي أغرقتنا؟ * كاتبة سعودية [email protected]