الذرية من أكبر نعم الله على الإنسان، وهم عنوان للمسؤولية الكبرى التي ألقيت على عاتق الوالدين، فالأبناء والبنات صفحات بيضاء، ولنا أن نخط فيها ما نشاء، ونحن على ثقة أن ما نزرعه في عقولهم اليوم، سنجني ثماره غداً، والتربية محور هذه المسؤولية الكبرى، ومنظومة القيم التي سيربون عليها، ستصبح الأسس التي ترتفع عليها شخصياتهم في المستقبل، وقبل أن نشرع في زرع مجموعة القيم علينا أن نوفر لهم أجواءً أسرية يسودها السلام، التدين الوسطي، وصدق العاطفة تجاههم ليصبح البيت ملاذهم وملجأهم من غوائل الواقع وشروره. وفي منظومة القيم تحصين لهم من الفشل والسقوط في حبائل الشيطان، كما أنها تحصين للمجتمع وللمستقبل، فالمجتمع مثل البناء صلاحه وقوة لبناته تضمن دوامه وسلامة من يعيشون بين جدرانه، لا يمكن أن نلقن أبناءنا قيمة الصدق ونحن لا نلتزم به، ولا يمكن أن نلقنهم الإيثار ونحن نتمترس وراء حب الذات، ولا يمكن أن نربيهم على الإحسان إلى الناس ونحن نعق آباءنا، ولا يمكن أن نعلمهم الإتقان في العمل ونحن كسالى نفسد أكثر مما نصلح، ولا يمكن أن نعلمهم الرفق وفن تذوق الجمال ونحن نقطع الشجر ونقطف الورود عبثاً، ولا نقدر قيمة جمال الطبيعة من حولنا ولا نلفت انتباههم إلى ما خلق الله في الطبيعة والنفوس البشرية من جمال. فإلى جانب تعاليم ديننا الحنيف التي تشتمل على كل تلك الأخلاقيات الرفيعة والقيم السامية علينا أيضاً أن نغذي ذائقتهم بكل ما يتعلق بالقيم الإنسانية من فنون وجمال وسلوك راقٍ، فتاريخ الحضارة وتاريخ الإنسان مليئان بالفن الراقي والسلوك المهذب، ومن شأن تربية النشء على تذوق الجمال وتقدير آيات الخالق في الطبيعة أن ترقق من طبيعتهم وتجعلهم أكثر انسجاماً مع المجتمع وأكثر حفاظاً على النفس الإنسانية، تلك هي القيم النبيلة التي يجب أن تزين خصال أبنائنا، فلم نرَ من يملك ذلك الحس يعتدي على الآخرين أو يعاملهم بغلظة أو يسيء إلى والديه، وعادةً ترافق هذه الصفة صفة الرحمة بمخلوقات الله كلها من إنسان وحيوان، فتذوق الجمال والرحمة صفتان قلما تبتعدان عن بعضهما. وإن أردنا لمجتمعنا أن يصعد درجة أعلى على سلم الإنسانية والحضارة والسلام، فما أحوجنا إلى أن نربي تلك الصفة في نفوس أبناءنا بلفت أنظارهم إلى جمال آيات الله وتنفيرهم من كل قبيح في المنظر والمسلك، فإن انغرست في نفوسهم تلك الصفة ابتعدوا هم تلقائياً عن المفاسد والغلظة والشتت والحقد والحسد وكل ما ترفضه النفس البشرية السوية. إن هوية المجتمع هي مجموع القيم التي يتبناها الفرد ومن ثم العائلة، فإن تحيز الفرد إلى العنصرية وتهميش الآخر اصطبغ المجتمع كله بالغلظة والنفور وجنح إلى العنف والإيذاء، وإن انحاز الفرد ومن بعده العائلة إلى الرحمة وحسن الخلق وتقبل الآخر وتقدير ما أبدع الله في خلقه اصطبغ المجتمع كله بالسلام والوعي الإنساني والتراحم وكل ما هو جميل.