لن أقول عن الشارع شيئا بعد الليلة، إنه شارعي الأثير المتحضن لبيتي والباسط وجهه لأول وآخر خطواتي خروجا ودخولا. يفرد البابُ وجهه على الشارع بصورة دائمة، يبادله الشارع النظر، يتأملان بعضهما، يتحاوران منتظرَين يدي وخطواتي، من الخارج تبدو فتحة الباب سرَّةً غامضة، المقبض يدٌ تقود هشاشة السكون إلى داخل البيت، يصمت الأولاد الكبار الذين يسكنون البيت معي، وهم الذين اعتقدتُ أنهم كل شيء في عالَم الحيِّ الذي نسكنه، أنشغلُ عنهم لأجدهم يرفعون رايات الصمت خلف أبوابهم المغلقة. هدوء عابر يسبقُ فتحَ الباب، ألقي نظرةً لجلب بعض الهواء إلى البيت في صقيع ديسمبر.. كانت النظرة الخاطفة كافية لأقول: ما أسعد الطفولة! في الشارع، وقبل دخولهما، يقذف الرجلُ بالطفل، وهو والده على الأرجح، عاليا، ثم يتلقاه، ويضحكان بأمل وحبور. عدتُ إلى الوراء حيث الصمت يسكن العروق قبل الغُرَف، دخلتُ تاركا ضحكاتِ الرجل والطفل تتَنزَّلان من سماوات الفرح على المكان، حرَّكت الساعة في معصمي لأرْشفة اللحظة، لم تعُد لاتِّجاهها نحو عينيَّ، تنازلت عن معرفة الوقت، حين شعرت أن الأمر مجرَّد فخاخ صمت نُصبت على الباب والزمان لاستدراجي.