بدأت الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران في الرابع من نوفمبر الماضي، وأعفيت بالتزامن مع فرض عقوبات على الصادرات النفطية الإيرانية 8 دول، وأعطيت فترة سماح على أن لا تقدم العائدات إلى إيران ماديا. ورغم أن فترة الإعفاءات ما زالت سارية، إلا أن أغلب الدول المعفاة لم تطلب شراء نفط إيراني، بحسب نائب وزير النفط الإيراني أمير حسين زماني نيا، مما يعطي مؤشرا على إدراك هذه الدول لجدية الإدارة الأمريكية في تفريغ الخزانة الإيرانية، لإنضاج حل سياسي لا يكون لطهران فيه اليد الطولى. وقد بدأت مؤشرات التأثير نهاية ديسمبر الماضي، حسب ميزانية العام المالي 2019، والتي قدمها الرئيس حسن روحاني للبرلمان، وبحسب وكالة أنباء تسنيم الإيرانية، تم تخفيض ميزانية وزارة الدفاع 50%، وبلغت 35 مليارا و971 ألف ريال مقارنة بالميزانية المخصصة لهذه الوزارة العام الماضي، التى بلغت 71 مليارا و355 ألف ريال. خفض الإنفاق لم يقتصر على الميزانية الدفاعية، بل شمل حتى ميزانية وزارة الصحة، التي استقال وزيرها قاضي هاشمي، اعتراضا على خفض الميزانية. وبشكل عام، فميزانية العام الحالي (يبدأ في إيران بتاريخ 21 مارس)، تمثل حوالى نصف ميزانية 2018، آخذين في الاعتبار أن طهران تعتقد أنها ستلتف على العقوبات، وتنجح في بيع حوالى مليون ونصف برميل، يمثل رافدا ل35% من الموازنة، بسعر مستهدف يبلغ 50-54 دولارا للبرميل. صحيح أن للعقوبات الأمريكية دورا كبيرا في هذا الضغط الاقتصادي على إيران، والتي خسرت عملتها أكثر من 60% من قيمتها خلال العام الماضي، إلا أن بنية الاقتصاد الإيراني تعاني من مشاكل قديمة ومتراكمة، زاد منها فساد الحرس الثوري، ووجود كيان مواز للدولة يستمد شرعيته من شعار تصدير الثورة. المشكلة للإيرانيين أن تصدير الثورة لم يشمل تصدير منتجات اقتصادية، تكون رافدا للاقتصاد حين يتم خنق البرميل النفطي الإيراني، ولهذا نجد السوق العراقي، على سبيل المثال، يرحب بالمنتجات السعودية والتركية، أكثر من المنتجات الإيرانية الرديئة، والأقل قدرة على المنافسة. وحتى منتج الميليشيات والقتل لا يكون له تأثير كبير يتجاوز تفاهمات القوى الكبرى، سواء في العراق التي زارها ترمب الشهر الماضي مرسلا رسالة واضحة لطهران، أو في سورية التي تتحكم موسكو في تفاصيلها وتدير توازنات مصالحها مع واشنطن ومع تركيا وإسرائيل أيضا. إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية، راهنت على 3 أمور، أولها أن الأوروبيين سيكونون أكثر قدرة على اتخاذ موقف مستقل عن واشنطن، وإن لم يكن بإغراء المصالح الاقتصادية، فعبر عمليات إرهابية في أوروبا، وهي ما كشفت عنها أجهزة أمنية في فرنسا والنمسا وهولندا. الرهان الثاني كان على حاجة الغرب حلحلة بعض الملفات الإقليمية، التي تمتلك إيران قدرة التعطيل فيها، من الحكومة العراقية إلى الحكومة اللبنانية، التي يتفنن حزب الله في خلق العقدة تلو العقدة، أو في اليمن حيث لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للحوثيين سواء حضروا في ستوكهولم، أو غابوا في جنيف، ففي الحالتين ستكون تعهداتهم حبرا على ورق. الرهان الأخير هو ما خاطب به الرئيس روحاني الشعب الإيراني، داعيا إياهم للصمود محفزا إياهم بأن فترة ترمب تنتهي بعد عامين، ولكن هل يستطيع النظام الإيراني فعلا الصمود لعامين؟ أم سيتغير من ثورة إلى دولة، كلاهما تحد كبير لنظام يتم في فبراير القادم 4 عقود.. ولكن الأربعين ليست دائما سن الرشد. * كاتب سعودي Twitter: @aAltrairi Email: [email protected]