اختار الله المدينة مهاجر لنبيه صلى الله عليه وسلم، فهاجر ونزل فيها، فهي داره، دخلها دخولا حسنا لم ير فيها ما يكره، دخول صدق وعز ونصر وتمكين، فاجتمع الصدق كله بها، فقال عليه الصلاة والسلام «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما تنفي الكير خبث الحديد»، تأسست على يديه وأصبحت العاصمة الأولى للإسلام، وأقدس المدن بعد مكة، واحتوت على بعض من المآثر الإسلامية، وخاض بها بعض المعارك، وكانت منطلقاً للسرايا، والغزوات. اجتمع فيها الإيمان، فأصبحت منارةً تشع خيراً، وبركة على كل من يزورها، ويلتجئ إليها، ودعا لها ولأهلها بالبركة والخير، ضعفي ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكةالمكرمة، وبسبب عظم مكانتها في قلبه وشدة حبه لها طلب من ربه أن يحبب المدينة له ولأمته فقال «اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد» وقال «اللهم بارك لنا في مدينتنا» وهي ملتقى المهاجرين والأنصار، بلدة معشوقة السُكنى. وجعل الله المدينة حرماً آمناً لا يُنفر صيدها، وقد عهدها حرماً آمناً، فهي محرمة كحُرمة مكة، في فضلها، وحرمتها، ومكانتها، إخباراً، ودعاءً، وترغيباً وترهيباً. وسماها المدينة، وهي سنته في التسمية بالأسماء المستحبة، وعلى أنقابها ملائكة يحرسونها، لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال. وللمدينة أكثر من 100 اسم، وذلك لعلو قدرها، وعظم مكانتها، وفيها أيضاً تلقى نزول الوحي. كما سماها طيبة وطابة لطهارة تربتها، وهوائها، وطيبها لساكنها، وطيب العيش بها، لما فيها من السكون والهدوء والطمأنينة، والرزق الطيب، وهي دار الحسن ومنزل السرور ومحل البركة، فقد حسنت ظاهراً وباطناً، حساً ومعنى، فهي بلدة المصطفى، أرض الهجرة، حبيبة المحبوب، الإيمان يأرز إلى نواحيها، والصلاة فيها لها فضل عظيم، فمن صبر على لأوائها وشدتها فله الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، فقال «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها وبعث من الآمنين» وقال للأنصار «المحيا محياكم، والممات مماتكم» أي لا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم. وكانت المدينةالمنورة تسمى في الجاهلية «يثرب» فلا ينبغي تسميتها لكراهيته ذلك «يقولون يثرب وهي المدينة» فمن سمى المدينة، يثرب فليستغفر الله، ولأن يثرب تعني الثرب وهو الفساد، والمؤاخذة بالذنب. وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم إلى المدينة من سفر، أسرع إليها وكان لا يدخلها ليلاً، بل يبيت خارجها حتى يصبح ثم يدخلها ضحى. ولما كانت للمدينة المنورة هذه المكانة العظيمة، سخرت الدولة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز وحتى عهد الملك سلمان، كل إمكاناتها، في تطوير المدينتين المقدستين، والمشاعر المقدسة، وأصبح الحرم النبوي يُمثل مساحة المدينةالمنورة القديمة، وجعلت مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز مطاراً دولياً، فاللهم وفق وسدد هذه الأعمال لما فيه خير للإسلام والمسلمين، وارزقنا شفاعة الحبيب، والله من وراء القصد. [email protected]