قد تحدثنا منذ أسابيع عن الروحانية الرمضانية , وما للصيام من فضائل و فوائد نفسية وجسدية , وما له من مناقب ومآثر يرثها المسلم في شهر رمضان الفضيل , هذا وإن الصيام في رحاب مكةالمكرمة لا يضاهيه صيام في سائر بقاع الأرض , ونستثني من ذلك طيبة الطيبة مدينة رسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم ؛ فإن لهذه المدينة من الروحانية العالية ما يفوح على أهلها و سكانها أريجا مستخلصا من عبق سنن المصطفى التي أورثها للمسلمين من بعده . وتعجز الكلمات في وصف فضل المدينةالمنورة , فمئات الأحاديث الشريفة التي جاءت قولا وتقريرا عن نبينا الكريم تحاكي حرمة هذه المدينة و مكانتها وقدسيتها . ويكفي اختيار ربنا الحكيم لهذه البقعة المطهرة لتكون مركزا لنشر الدعوة و يكون أهلها أنصارا مخلصين لخاتم الأنبياء والمرسلين . وتستقبل المدينة اليوم الآلاف من الزائرين و الوافدين ؛ وتحتويهم بكل حب و حنين , وتبادلهم أجمل الطقوس الرمضانية الرائعة , والتي اعتاد أهل الحجاز على ممارستها في هذا الشهر , فينقل أهلها من ورثها و حضارتها لهم ما يحير عقولهم و يثير فضولهم . ولعل تلك اللمسات الرائعة من أهل المدينة والمتجسدة في تعاملهم مع زوارها تبعث روحا من الأصالة والمرونة والعراقة التي طالما امتازوا بها , فهم مجتمع زكاهم رسول الله واصطفاهم لجيرته ودعوته , وهم أناس يألفون ويؤلفون , وقد اشتهروا بطيب النفس ودماثة الخلق و سعة الصدر و طلاقة اللفظ وسماحة الوجه . فأجمل ما يكون عندما تقابل رجلا مسنا ًفي ساحة المسجد النبوي الشريف , فيرحب بك و كأنك تعرفه منذ سنوات , فلا يتوانى عن خدمتك , و الاستفسار عن أحوالك , ثم يدعوك لتصلي الفريضة جنباً إلى جنب , و يتشاطر معك الجلوس على احدى موائد الإفطار , و يتجاذب معك أطراف الحديث برقيقِ الكلم و بوجهٍ مبتسم , وبعد أن تنتهي الصلاة يبادلك التحية والدعاء , ثم يودعك على أمل أن يلقاك , وكله صدق بأن تقصده متى تشاء . أليس ذلك من أروع مشاهد الأنصار الأخيار في زمن شحت فيه مظاهر الود والمحبة والإخاء ؟! كما تجدر الإشارة إلى الاهتمام الرائع الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين للحرم المكي والحرم النبوي الشريف , والذي يسفر عن تطور مستمر و سريع ومواكب للحضارة التي تنشدها البلاد , فما يقدم للزوار من خدمات و تسهيلات مؤشر كافٍ لما ننشده في الارتقاء بالتعاملات الإنسانية مع مختلف الأجناس وفي كافة المجالات. ومن هنا تحية للقائمين على شؤون الحرمين المكي والمدني , ولأمارة منطقتي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وندعو لهم بدوام التوفيق والسداد و بالمزيد من التألق و الإنجاز و العطاء . وقفة لنرتقي : - عن عائشة رضي الله عنه قالت : قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله فقال رسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وحول حماها إلى الجحفة ( صحيح البخاري 1889 / صحيح مسلم 1376. - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أناس يخرجون من المدينة إلى اليمن وغيرها بعد فتحها ( المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه , ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة ، (وفي رواية ) ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء ) صحيح مسلم . اللأواء : الشدة والجوع الجهد : المشقة.