لم يحظ تصريح وزير الطاقة الروسي بخصوص الاتصالات المستمرة التي سبقت التوصل إلى إعلان اتفاق أوبك الجمعة الماضية، بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي بوتين، بالتغطية الكافية، بل يعتقد الكثيرون أن اتفاق أوبك هو نتاج جهود الوزراء، ولم يعرفوا أنهم قد توقفوا مرارا عند العديد من الصعوبات التي واجهتهم، وعجزهم عن التوصل إلى صيغ توفيقية تنقذ الاتفاق. ومن يعرف طبيعة العلاقة الحميمة بين الرئيس بوتين والأمير محمد بن سلمان القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، يعي أنه لا يمكن أن تنفض اجتماعات أوبك دون اتفاق على الخطوة الضرورية التي اجتمع الوزراء من أجلها وهي خفض الإنتاج لإنقاذ أسعار النفط من المزيد من التدهور الذي لحق بها. ووزير الطاقة الروسي بتصريحه بأن الاتصالات المستمرة بين الاثنين وبالذات في الساعات الأخيرة قبل التوصل إلى اتفاق، هي التي أدت إلى الخروج بالاتفاق، لا يحمل أية مجاملة للأمير محمد بن سلمان، ولو كان يجامل لاقتصر على رئيسه بوتين، وأنه من أنقذ الاتفاق. وقام الأمير محمد بن سلمان بنفس الجهود في إنفاق نهاية عام 2016، والذي أوشك على الانهيار لولا تدخله. وهذه كلها حقائق لا مجاملة فيها. ولنا أن نتصور ماذا كان سيحدث لأسواق النفط العالمية لو لم يتدخل بالتفاوض الهاتفي مع الرئيس بوتين. ولو عدنا إلى العقود الماضية لوجدنا أن التعاون بين أوبك والمنتجين من خارجها كان قائما ولكن بصورة متقطعة وغير جدية. ودائما ما كانت روسيا تشارك في اجتماعات الأوبك بصفة مراقب دون أن تكون لها مساهمة فعلية. كما أن التعاون الذي تم في التسعينات من القرن الماضي ما بين المملكة والمكسيك والنرويج لم يكتب له الاستمرار، وكانت النرويج بالذات على مضض في «مأسسة» هذا التعاون الثلاثي، كما الالتزام بما وافقت عليه الدول الثلاث كان صوريا. وبتوقيع وزراء أوبك والمنتجين من خارجها على مسودة التعاون المشترك، تمهيدا لإعداد الصيغة النهائية، تكون أوبك قد دخلت مرحلة جديدة من تاريخها، شعاره الالتزام الأدبي بما يتم الاتفاق عليه. ويمثل التحالف الجديد أربعا وعشرين دولة من منتجي ومصدري النفط في العالم دخلوا طواعية فيه. إلا أن التنسيق المستمر والمثمر جدا يتركز في التعاون الثنائي السعودي الروسي، حيث إن إنتاج الدولتين يمثل حوالى 23 مليون برميل يوميا، حوالى 22% من مجمل الإنتاج النفطي العالمي. وكان لابد للدولتين أن تبادرا في المشاورات المنتظمة والتي بدأت منذ قمة العشرين قبل عامين والتي عقدت في الصين، وإن سبقتها زيارة ولي العهد السعودي إلى روسيا لهذا الغرض من ضمن أغراض أخرى. وحينما أشرت قبل أسبوع في لقاء تلفزيوني إلى أهمية المصافحة الحارة (خماسية الكفوف) بين ولي العهد والرئيس بوتين، والعلاقة القوية بين الاثنين، والتي لم يقرأها الكثيرون في هذا السياق، حيث أنبأتنا بأن تشاورهما سينتج عنه تفاهم، ولا خوف من أي فشل محتمل في خروج التحالف الجديد باتفاق لتخفيض الإنتاج النفطي. ويمكن تلخيص أهم إيجابيات اتفاق أوبك الموسع الذي أبرم الجمعة الماضية، من خلال النقاط التالية: أولا: مع تضخم فائض المعروض العالمي من النفط نتيجة القفزات المتتابعة لإنتاج النفط الأمريكي حتى وصل إلى أكثر من 11.7 مليون برميل يوميا. وتزايد إنتاج أوبك والمنتجين من خارجها، تحسبا لانقطاع صادرات النفط الإيرانية من الأسواق نتيجة للعقوبات الأمريكية عليها، وجدنا أن الولاياتالمتحدة تصدر قائمة باستثناء ثماني دول من الالتزام بهذه العقوبات، وهي الدول الرئيسية المستوردة للنفط الإيراني. وجاءت هذه الخطوة الأمريكية تخوفا منها من ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط. ونتيجة لهذا الفائض والتوقع باستمراره إلى العام القادم 2019، توالى انخفاض أسعار النفط خلال شهر نوفمبر الماضي وإلى مستويات لم تشهدها خلال الأشهر الماضية، إذ انخفضت أسعار خام برنت إلى ما دون الستين دولارا للبرميل، بينما كانت فوق الخمسة والثمانين دولارا في أكتوبر الماضي. ثانيا: تزايد حجم الضغوط السياسية على منظمة الأوبك، بأن عليها ألا تخفض إنتاجها، مراعاة للدول المستهلكة للنفط في العالم. وتناست الدول التي مارست هذه الضغوط، أن الدول المصدرة للنفط والتي ما زالت تعتمد بشكل مطلق على ما تحصله من إيرادات نفطية، تحتاج إلى مستويات أسعار في حدود السبعين دولارا للبرميل على الأقل، وأن هذا لن يتحقق إذا لم يكن هنالك تخفيض للإنتاج النفطي. ثالثا: أعلنت المملكة وتمسكت بمبدأ أصبحت تحرص عليه وهو أن أي تخفيضات إنتاجية لابد وأن تشارك فيها جميع دول التحالف النفطي الجديد، ولا يمكن للمملكة أن تتحمل العبء وحدها، وأنها جاهزة لتحمل العبء العادل قياسا لمعدلات إنتاجها. وختاما، وتماشيا مع مبدأ إرجاع الفضل لأصحابه، فإن الدور المحوري الذي لعبه الأمير محمد بن سلمان في خروج اتفاق أوبك إلى الحياة الجمعة الماضية، وفي مرات مضت، فلابد من الاعتراف به. وهو لم يقم به إلا من منطلق المصلحة الوطنية، وجاء في توقيته المناسب لتحسين ايراداتنا النفطية والتي ما زلنا نعتمد عليها بشكل كبير في تمويل تنميتنا الاقتصادية. * المستشار الاقتصادي والنفطي الدولي sabbanms@