«مَا بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنِ وَانْتِبَاهَتِهَا يُغَيِّرُ اللهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ»؛ هكذا كان لسان حال صديق ياباني صحافي، التقيته عام 1964 للمرَّة الأولى في زيارة تعارف في طوكيو... ومن بعد توطَدت بيننا صداقة لا تزال قائمة حتَّى اليوم. يومها تمحور الحديث بيننا عن تداعيات استسلام اليابان للحلفاء، وتجربة الولايات المتَّحدة الأمريكيَة لسلاحها الذري الذي ضربت به مدينتي هيروشيما وناغازاكي. لخَّص لي الوضع إذ ذاك لبلده ببيت الشعر العربي الذي بدأته فاتحة مقالي هذا. ويبدو أنَّه حفظه وهو مقدم على زيارتي في السفارة. وأضاف أنَّ يابان ذاك اليوم بعد انكسارها عسكريًّا من الحلفاء، تبنَّت سياسة نبذ العنف والحرب، داعية بصدق لعموم السلام جميع بلدان العالم. ففي السلام الأمن والأمان للجميع. وتسود فيه فرص التعاون الاقتصادي والتقني بين الأمم والشعوب جميعها. بعدها انتقل الحديث إلى الروابط المشتركة بين شعوب القارَّة الآسيويَّة التي وصفها بأمِّ الحضارات، مثمِّنًا ما حقَّقه طريق الحرير من توثيق وتمتين لروابط حسن الجوار بين شعوب القارَّة الآسيويَّة، ومن تبادل ثقافي وتجاري عاد بالفائدة على الجميع. في آخر لقاء بيننا عبر الشاشة العنكبوتيَّة، تحدَّث الصديق الياباني بإسهاب عن جهود المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ووليِّ عهده صاحب السموِّ الملكي الأمير محمَّد بن سلمان في تحديث بناء المملكة. وأنَّهما؛ وهي مقبلة على مئتها الثانية من عمرها المديد بعون الله يعملان بجهد وعزيمة وفق خطة تنمويَّة تحمل شعار 2030... خطَّة طموحة تبشّر بالكثير من الخير والعطاء اللذين سيعمَّان المملكة والعديد من شعوب العالم. ماثل ما يتوقَّعه من الخطَّة من فوائد بما حقَّقته اليابان بعد الحرب العالمية الثانية من نقلة حضاريَّة علميَّة وتقنية عادت بثمارها اليانعة على جميع شعوب العالم. وذكر مع أنَّ اليابان تقع في أقصى شرق القارَة الآسيويَّة، والمملكة العربيَّة السعوديَّة في أقصى غربها، فهما بمثابة راحمتين حانيتين تحتضنان بحبٍّ القارَّة الآسيويَّة، اعترافًا من كليهما بجميل ما سبق للقارَّة أن قدَّمته من قفزات حضاريَّة منذ فجر التاريخ. لذا يتحتَّم تضافر الجهود لتنمية العديد من دول القارَّة الآسيويَّة لتستعيد شعوبها ما كان لأجدادهم من مساهمات في إثراء العلم والمعرفة... فليس من المنطق أن يبقى ملايين الآسيويِّين في جهل وأميَّة وفقر... وتعمُّ في مجتمعاتهم الفوضى الهدَّامة وتزداد بشاعة وعنفًا من جرَّاء إرهاب من يتاجرون بالدماء لتمزيق اللحمة التراثية التي نسجها طريق الحرير في سالف الزمان، وفي أراضيهم من الخيرات ما يوفِّر حياة كريمة لمواطنيها. أنهينا المحادثة للقاء قادمٍ، راجين أن تتحقَّق الآمال، ويعمَّ الأمن والأمان متوَّجًا بسلام عادل ودائم يحافظ على حياة كريمة لإنسان. * كاتب سعودي