البلاد التي أرادت أن تصنع مستقبلها، أخذت خطوات جادة لتحقيق ذلك، فالصين على سبيل المثال استطاعت خلال عشر سنوات التحول من بلد فقير معدم لا تكفيه موارده المالية والطبيعية إلى بلد غني، واستطاعت أن تخرج مئات الملايين من تحت خط الفقر إلى الحياة الكريمة، ومن بلد زراعي ريفي إلى بلد صناعي تجاري زراعي حتى أصبحت خلال 40 عاماً ثاني أكبر اقتصاد في العالم، هذا النجاح بدأ عام 1978م عندما أطلقت الصين إصلاحات عظمى تقوم على أسس رئيسية تعتمد على إصلاح قانوني وإداري ومالي، فهذا النجاح لم يقم على مجرد تبني مشاريع عملاقة بل وظف كل عوامل القوة في المجتمع والاقتصاد الصيني، ومن أهم الأسباب الرئيسيّة لنجاح النهضة الصينية قيامها بإصلاح الكثير من عمليات صنع القرار، فكل قرار كبير يأخذ أكثر من عام من المشاورات المكثفة والتفاعلية، وتتم معالجة القرار من خلال مداخلات آلاف من مؤسسات الفكر والرأي، والجامعات، والعلماء والمختصين، ومن خلال المناقشات الساخنة في وسائل التواصل. كما أن مفهوم الإدارة العامة في الصين يمكن أن يطلق عليه مسمى إدارة التنمية. وفي المقابل نجد أن السياسات الاقتصادية والزراعية والإدارية التي تبناها الرئيس عبدالناصر مثل التأميم والإدارة المركزية أدت إلى تدهور الاقتصاد المصري بالرغم من المشاريع الكبرى التي قام بها مثل السد العالي؛ فالمشاريع العظمى لا تخلق اقتصادا قويا. الصين مثال ناجح استطاع خلق آليات ومفاهيم تتماشى مع تراثه الأصيل المشتق من المفاهيم والفلسفة الصينية المنسوبة للفيلسوف الصيني منسيوس المولود عام 372 قبل الميلاد الذي فرق بين إرادة الشعب ومشاعر الشعب، وهو ما سمح للدولة أن تخطط للمدى المتوسط والمدى الطويل. إن التخطيط المبني على أسس فكرية وفلسفية وأخلاقية يقوم على استيعاب كافة الجوانب والانفتاح للتغيير والتطوير والتحسين والأخذ بكل ما هو في صالح البلاد، والبعد عن الفردية والمركزية، والالتزام بالقانون وتطبيقه على كل المستويات وكافة الجوانب، سيحقق النتائج المرجوة شريطة معالجة الأمور الفيصلية والرئيسية من خلال مفهوم المركزية الجديدة التي تبنتها الصين في خططها التنموية. لكي نخطو للمستقبل فإننا نحتاج لتطوير القوانين وتبني المفاهيم التنموية والتجانس والتناغم والترابط بينها وضرورة وجود مراكز بحوث ودراسات، وإدخال الجامعات والمعاهد والإدارات في العملية التطويرية من خلال المشاركة الفعالة والدراسات الميدانية والنظرية لكافة الطروحات المستقبلية. ولا شك أن تطوير التعليم ومخرجاته وتنمية العقل بدلا من النقل والحفظ سوف يساهم في إخراج جيل قادر على العمل والإنتاج والمشاركة في التنمية بدون الحاجة لتبني المفاهيم الغربية أو الشرقية، لأن التنمية تتطلب مشاركة المجتمع فيها وإيمانه بها، فكما قال الفيلسوف الصيني إن إرادة الشعب عابرة وتتغير، فقد يكون ما يريده الشعب اليوم غير ما يريده غداً، وإنما مشاعر الشعب هي التي تميل للاستقرار، كمشاعرهم في حب الوطن. المستقبل يدخله المؤمنون بالتطوير والحالمون الذين يسعون لإيجاد الطريق المفتوح، وإن كلمة الرئيس الصيني في الجامعة العربية بعنوان «التشارك في خلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية العربية» فيها العديد من الحكم التي تستوجب الوقف لديها. وكما استشهد الرئيس شي جين بينغ «عندما تواجه الشمس، سترى الأمل بالتأكيد» فالأمل موجود فقط يتطلب تضافر الجهود من مختلف الأطراف لجعله حقيقة وتنفيذه وتجسيده عن طريق الحوار والتنمية والعمل المتكامل. * مستشار قانوني osamayamani@ [email protected]