لم يتخيل والد الطالب محمد سامي الحربي، أن تكون رغبة ابنه في تعلم السباحة، منذ انطلاقة العام الدراسي الجديد، ستقضي على أنفاسه من الدرس الأول، ليلقى حتفه غريقا داخل مسبح مدرسته النموذجية الأولى في جدة. بالأمس، حمل محمد الذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي، حقيبته المدرسية كالعادة، وتأهب لأهم حصة في حياته، طلب من أسرته أن يعدوا له العدة، إنها اللحظات الحاسمة التي كان ينتظرها بفارغ الصبر، «أريد ملابس السباحة، فاليوم يومي»، هكذا ردد محمد صدى كلماته، ليسمعها أقرانه وأبناء عمه الذين يدرسون معه في المدرسة ذاتها. تشجع محمد وهو يضع قدميه على أولى خطوات تحقيق حلمه الصغير، «أخيرا سأسبح»، لملم أغراضه المدرسية وكتبه وكراساته، لكنه انشغل بأهم محتويات الحقيبة، ممثلة في ملابس السباحة. لم يتوقف الأب عند إلحاح ابنه كثيرا، لأن السباحة هي الرياضة المثالية التي يتمنى كل أب أن يتعلمها ابنه، بادر بدفع المصاريف، التي تصل إلى 500 ريال، ولم يتوقف عند الأوراق المطلوب التوقيع عليها، بادر بتحرير توقيعه على الفور، كان يظن أنه يهدي ابنه طوق النجاة بتعلم فنون السباحة، لتصبح هواية ومهارة في إنقاذ نفسه. خرج محمد إلى المدرسة، ودعه والده كالعادة، لكنه لم يتوقع أن يكون الوداع الأخير، من خلال أول حصة سباحة له، في مدرسة يفترض أن تكون فيها معايير السلامة على أعلى مستوى. قال الأب ل«عكاظ» أمس وهو يروي لنا تفاصيل الحصة الأخيرة في حياة ابنه الذي بالكاد أكمل سنته الثامنة: فقدت محمد بعدما كنت أمني نفسي بمستقبل زاهر له، لأن هواية تعلم السباحة كانت تمثل قمة السعادة له. يواصل الأب سرد التفاصيل ويغالب الدموع: من قتل سعادة ابني، ومن أنهى مستقبله؟ ذلك السؤال المحير الذي يحاول الأب أن يجد له إجابة. لكن التفاصيل التي تأتي على لسان الأب تقول إن ابنه لم يكن يعاني من أي مرض عضوي، «وإلا لماذا وافقت على تعلمه السباحة منذ الوقت الأول»، والحديث للأب. ويستمر: وضعته في مدرسة «نموذجية» ليتخرج منها ملما بالمعارف على أشكالها، لكنني تسلمته أمس جثة هامدة، بعدما رسب كرها في أول حصة سباحة. كيف حدث هذا؟ السؤال يحير الأب، لكنه يحاول الوصول إلى إجابة. ويضيف: «اصطف ابني مع زملائه للتعلم، أو لم يصطفوا، راقبوهم أم لم يراقبوهم، انزلق قبل سقوطه في الماء أم لم ينزلق، لكنه في النهاية تبلل بالماء، فغمرته، وغطته، وأصبح غريقا في لمح البصر». ويتساءل الأب المكلوم: هل قتل ابني الإهمال والتراخي من المدرب، أم قتله شيء آخر؟ ويجيب: «أعتقد أنه كان من المفترض على مدرب السباحة أن يكون موجودا في الموقع، يراقب الصغار، خصوصا أن بينهم من لم يسبق له تعلم السباحة، ولكن أن يسقط ابني في الماء ويغرق، فلا أعتقد أن الإهمال والتراخي بعيدين عن هذه الحادثة، وإن كنت مسلما بقضاء الله وقدره، إلا أن السؤال: أين كان المدرب وقت سقوط ابني في الماء؟ وينظر الحربي بعين الاستياء لبيان إدارة التعليم بجدة، وهي تحاول أن تؤكد أن المدرب منقذ معتمد، وقال: أمر غريب، فما هي مهمات ذلك المعتمد، إن لم يكن من ضمنها مراقبة الطلاب وانقاذهم عند الغرق؟ ويتهم الأب المدرسة بغياب المتخصص في عمليات الإنقاذ والإسعاف، وقال «الإسعافات الأولية من الإنعاش الرئوي تمت عن طريق الهلال الأحمر، لذا فالأمر يحتاج إلى تحقيق». وأوضح الأب أنه تلقى خبر وفاة ابنه صباح أمس بعد مضي نحو نصف ساعة على الحادثة، إذ «اتصل بي أحد أقاربي الذي يعمل في المدرسة، ليخبرني بأن ابني تعرض لحادثة، ونقل إلى مستشفى خاص في حي الرويس، وطلب مني الحضور، عندها جالت في خاطري كل الوساوس التي حاولت أن أنحيها جانبا، لكنها حضرت فور وصولي لبوابة المدرسة، إذ أخبروني أن ابني محمد توفي غرقا في المسبح». ويشير الحربي إلى أن الصدمة ما زالت جاثمة على وجوه الأسرة والعائلة، وقال «انظر لهؤلاء الصغار إخوته ال3 وأبناء عمه، أعيتهم الحيلة، توقفت الدموع في مآقيهم، ليتهم يبكون ليستريحوا، فهم فقدوا من كان يزاملهم في كل رحلات اللعب واللهو». ويصر الأب المكلوم: «لن أتنازل عن حقي حتى يظهر المخطئ، وأحمي بقيه الطلاب في المدرسة من أي إهمال يمكن أن يلتهم أيا منهم في المستقبل». ويتأسف الحربي لأنه يقرأ بيانا مزعوما لإدارة المدرسة -لم تتأكد «عكاظ» من صحته وتتوثق من مصدره- وقال: هي تحاول أن تبرئ المدرب من أي تهمة، وتشير إلى أن محمد توفي قبل سقوطه في الماء، وتعطي تفاصيل غير دقيقة للحادثة، وتشير إلى وجود كاميرات توثق الأمر، لكن إذا كانت هذه هي الحقائق، فلماذا لم يصدر بها بيان رسمي من إدارة التعليم يعلنها، ولماذا بقيت بيانا غير معروف المصدر وينتسب للمدرسة؟. استسلم الحربي لأوجاعه وتوقف عن الحديث، واختتم بقوله: «أريد حقي وحق ابني».