لن أناقش الإثنوغرافيا هنا بوصفها منهجية علمية تصف ثقافة الشعوب، بل سأتحدث عنها كأداة تطويرية للحياة المجتمعية فتخيلوا معي لو تم إنتاج عشرة أفلام بقوالب مختلفة بين الدراما والكوميديا بين الأفلام القصيرة والبرامج المتنوعة وسوقت للعالم! تخيلوا لو تم دعم الأفلام السعودية والممثلين السعوديين كيف كانت ستكون صورتنا الذهنية في العالم، لا نحتاج لأي دليل لقوة الفن وسطوة الثقافات التي تمرر رسائلها من خلاله، فنمط الحياة الأمريكي خير مثال على قوة الفن في أداء هذه المهمة، فأنت تجد نفسك تمارس طقوساً مختلفةً في حياتك اليومية بشكل عرضي، فجميل لو مررنا نحن أيضاً عاداتنا التي نحبها كالكرم والعطف وصلة الرحم وغيرها للعالم. لعل أغاني المخرج ماجد العيسى تعكس فكرة الإثنوغرافيا بشكل متقن وجذاب للأجيال الناشئة، فربما الأطفال لن يجلسوا لمشاهدة فيلم ثقافي صامت، لكن رأيتهم كيف يرقصون على أغنيات ماجد الساخرة والمنكهة بالفنون الشعبية، بل قدم أيضاً أعمالاً فنيةً جادةً جديرةً بالاحتفاء مثل أغنية يا عين ورائعته ترف، كذلك المخرج مشعل الجاسر الذي يدهشك بالتقنيات الاحترافية التي يستخدمها ويجعلك تتساءل: هل سنرى هذه الإبداعات في أعمال مترابطة وصور وأفكار مختلفة؟ نعم لقد تأخرنا كثيراً في دراسة «من نحن»، تأخرنا في دراسة «إنثروبولوجيا الإنسان السعودي»، وهي علم الإنسان في الماضي والحاضر، وبالتالي تقلصت لدينا دراسات الإثنوغرافية «دراسة ثقافة الشعوب» والإثنولوجيا «دراسة الأعراق»، هذه المصطلحات ليست لمناكفة القارئ! بل أنا هنا لأتحدث عنا «نحن السعوديين» وماذا سنفعل في يومنا الوطني، نحن البشر الذين تجمعنا في هذه الأرض الطاهرة بعيداً عن عشوائية اهتماماتنا لكن نحن هنا الآن نعيد صياغة المستقبل. إن معالجة الرؤية الثقافية لما نحن ولما نريد أن نكون مهم أن تمر من خلال أجندة رصينة ذات أساس فلسفي عميق، وبالطبع نحن في مرحلة علينا أن نسعد بالاجتهادات المختلفة حتى وإن لم تكن تتوافق مع ما نتوقعه، الطريق في بدايته لكن في اليوم الوطني كم هو جميل أن ننقل صورة الإنسان السعودي العميقة ابن الصحراء سواء كان ذلك الشاب المقبل على الحياة أو ذلك الأب الذي يحمل احتياجات أسرته أو تلك الأم التي تستيقظ لتذهب بأطفالها للمدرسة ثم تذهب لعملها أو تلك الشابة التي تمارس هوايتها من منزلها، أو الصديق الذي يباشر على أصدقائه في الاستراحة والصديقة التي ترافق صديقتها لاختيار فستان التخرج. تتعدد أدوارنا المجتمعية وتتداخل مهامنا اليومية لكن الرباط الذي يجمعنا مدهش، وما أجمل أن نتفق جميعنا على أن ما يجمعنا هو حب الوطن، فتبسمك في وجه موظف الجوازات وشكرك لموظفة البنك وتقديرك لعامل الهاتف وتخفيفك من مهام رجل النظافة كلها وطنية، الوطنية ليست شعارات، وليست لوناً أخضرَ نرتديه يوماً واحداً، بل لنجعل أيامنا كلها خضراء مورقة بالابتسامة بالقراءة بالذوق والتهذيب، كل هذا ترصده عين الإثنواغرافيا شئنا أم أبينا بهذه الأفعال يقيمنا العالم ليست بلغة الأرقام فقط بل دورنا الآن أن نخرج من عباءة النفط إلى عباءة الريادة والمعرفة بهذا المجتمع الشاب الطموح وبقيادته الحكيمة الداعمة سنرتقي عاماً بعد عام وكل عام وأنتم للوطن عيده ومجده. * كاتبة سعودية [email protected]