لم تتوقف المملكة عند المحطة الأفغانية في مصالحاتها بين الفرقاء، من أجل لم الشمل، وإيجاد حلول للصراعات، التي قادت إلى حروب طاحنة، وأدت إلى قتل الأبرياء، وتدمير البنى التحتية لدول عانت الكثير من الويلات، لولا أن تدخلت القيادة السعودية، وأوقفت حمّام الدم الذي تسبب في نزيفه قوى إقليمية، ما زالت تبث سمومها في كل اتجاه. ولأن للمملكة مكانتها الإسلامية، بثقلها السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، وما تحظى به من تقدير واحترام عالمي وإقليمي على الصعيدين الرسمي والشعبي، لم تتردد يوما في استثمار كل هذا من أجل إطفاء نار الحروب المستعرة، وإنهاء الخلافات التي طال أمدها بين الدول الشقيقة والصديقة، لا ترجو من وراء ذلك سوى لم شمل الأمة الإسلامية وتوحيدها على كلمة سواء لمواجهة التحديات التي تهددها، وفي مقدمتها الإصرار الإيراني على التغلغل في الأوساط الإسلامية، لنشر الفكر الإرهابي، من خلال الطائفية المقيتة، في محاولة للاستحواذ على الحكومات، واستغلال الشعوب لتنفيذ أجنداته التي تعتمد على زعزعة الأمن والاستقرار، والنفاذ من خلالهما إلى تكريس وجود هذا النظام، الذي يجد في النزاعات مستنقعا لبث سمومه، والعمل على استمرارية الخلافات وبث الفرقة. وفي المقابل يشهد الساسة والمتابعون للأوضاع الملتهبة، أن المصالحات التي تقودها المملكة، لا تقابلها أطماع سياسية أو جغرافية، أو حتى عسكرية، وإنما بهدف حل الخلافات لتهنأ شعوب العالم بحياة آمنة كريمة مستقرة. وتعد القمة الثلاثية، (السعودية الإثيوبية الإريترية)، لتعزيز السلام في القرن الأفريقي، والتي عقدت أمس الأول (الأحد)، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتوجت بتوقيع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ورئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور آبي أحمد، اتفاقا تاريخيا يعزز العلاقات بين البلدين، وينهي حالة العداء بينهما التي امتدت لسنوات طويلة عقب استقلال إريتريا عن إثيوبيا، أوائل التسعينات من القرن الماضي، أنموذجا للسياسة السعودية، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، والتي تتبنى دائما جمع الأشقاء وتوحيد كلمتهم، وإنهاء الخلافات بينهم، ليبدأ على أساس هذه المبادرة السعودية عهد جديد من العلاقات الثنائية بين الدولتين الجارتين، وطي صفحة القطيعة بين الحكومتين والشعبين. وما يؤكد حرص المملكة على توثيق هذا العهد الجديد، وبما لا يعطي الفرصة لأي خلاف بعودة القطيعة مستقبلا، جاءت الدعوة الحكيمة من الملك سلمان للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لحضور توقيع اتفاق السلام بين البلدين، إضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد. ولعلّ ما يطمئن الشعوب الإسلامية، أن خلافاتها لن تستمر، وأن الصراعات بين أبناء الدين الواحد لن تدوم، هو أن السياسة السعودية مستمرة في مسلسل المصالحات، من منطلق حرصها على أن يسود العدل، وأن تخيّم سحابة الأمن، وأن تغادر الحروب الميدان بلا رجعة، لأن المملكة ترى أنه قد حان الوقت لبدء مرحلة البناء بدلا من الهدم، والوفاق بدلا من الشقاق، والوئام محل الخلاف، لتضطلع الأمة الإسلامية بمسؤوليتها العظمى وهي مواجهة التحديات، مستندة على كتاب الله وسنة رسوله.