مع تعدد التحليلات وتفنيد الكثير من القانونيين والحقوقيين لمصير العائلة التي ظهرت في مقطع فيديو متداول وهي تهدد وتسيء لرقيب كان يمارس دوره عند نقطة تفتيش أو ما عرف بقضية «دق على عمتك»، سلط عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي استشاري الأدلة الرقمية الدكتور عبدالرزاق بن عبدالعزيز المرجان الضوء على هذه القضية من جوانبها المختلفة وعلى النواحي الرقمية تحديداً. وقال عبر «عكاظ»: سابقة فريدة من نوعها في علم الأدلة الرقمية، تحوّل فيها الهاتف المحمول إلى مصدر نفي وإثبات التهمة في ذات الوقت في القضية المعروفة باسم «دق على عمتك»، إذا كان المقطع سليما، ولكن كيف؟ صرّح المتحدث باسم شرطة منطقة مكة المكرّمة، بأنه في يوم الثلاثاء الموافق 3/12/1439ه، وفي أثناء قيام أحد رجال المرور بمهماته عند تقاطع جسر المنصور بالعاصمة المقدّسة، رصد مخالفة إحدى السيارات بالتوقف على ممر المشاة، وعند قيام رجل المرور بالطلب من سائقها إبراز هويته لتسجيل المخالفة المرورية، صدر من السائق المخالف ومرافقتيه الآتي: • رفض السائق المخالف التجاوب مع رجل الأمن بإبراز إثباته • مبادرة السائق المخالف برفع صوته عالياً بغوغائية • قيام مرافقتيه زوجته وابنته، بتسجيل كلامه موجهاً اتهامات باطلة لرجل الأمن، في محاولة لقلب حقيقة الموقف. • التهديد باستخدامها في ابتزازه لثنيه عن توثيق المخالفة المرورية التي قام بارتكابها. وبناءً على ما صدر من السائق ومرافقتيه من تهم، تمّ توقيفهم لاستكمال إجراءات الاستدلال الأولية، وإحالة القضية إلى فرع النيابة العامة. عند الرجوع إلى التوثيق بالصوت والصورة في القضية، الذي لا يعتبر دليلا رقميا حتى هذه اللحظة، قامت إحدى مرافقتي السائق المخالف باستخدام الهاتف الجوال كأداة لتوثيق المقطع الذي استغرق 3 دقائق و18 ثانية ونشره في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وادعى السائق ومرافقتاه الآتي كما ذكر في المقطع: • إساءة رجل الأمن لخادم الحرمين الشريفين • سوء استغلال السلطة عند تحليل المقطع نجده يشير، إذا كان سليما، إلى نفي التهم الموجهة ضد رجل الأمن وأنها تهم باطلة. ولكن كيف حصل أن جهاز الجوال الذي استخدم من قبل إحدى مرافقتي السائق المخالف لتوثيق الادعاء ضد رجل الأمن، وثق تهما عدة ضد السائق المخالف ومرافقتيه وهي كالآتي: • رفض تجاوب السائق المخالف مع رجل الأمن • المبادرة برفع صوته بغوغائية • الادعاء الباطل على رجل الأمن • استخدام التهديد في حق رجل الأمن لثنيه عن تدقيق الهوية وبعدها إصدار المخالفة • انتهاك الخصوصية وتوثيق الواقعة صوتاً وصورة دون موافقة رجل الأمن • استخدام ألفاظ عنصرية من قبل مرافقتيه هل يقود هذا المقطع الأسرة المكونة من السائق المخالف وزوجته وابنته إلى السجن والغرامة؟ بعد أن أصبحت قضية رأي عام ولحفظ المجتمع والمصلحة العامة، تم حسم الموضوع من قبل النائب العام بتوجيهه بتحريك الدعوى الجزائية وفق المادة 17 من نظام الإجراءات الجزائية ومباشرة إجراءات التحقيق مع المعتدين والمسيئين لرجال الأمن في مكةالمكرمة بعد التأكد من صحة المقطع المذكور ونسبته لمن ظهر فيه... وهنا وضع شرط مهم وهو التأكد من صحة المقطع ونسبته لمن ظهر فيه. فإذا تحقق شرط سلامة المقطع تحول إلى دليل رقمي يثبت التهمة لنيابة العامة ومن ثم إثبات الإدانة للقاضي. المقطع الآن لا يرتقي بأن يكون دليلا لإثبات التهمة إلا بعد التأكد من صحة وسلامة المقطع. ولأننا في مرحلة التأكد من سلامة الدليل من العوارض، سندخل في فرضية إذا سلمت الأدلة من العوارض، ماهي الأدلة الرقمية التي تثبت الإدانة على أسرة السائق المخالف في هذا المقطع؟ الأدلة الرقمية في المقطع الجزء الأول: هي العبارات والألفاظ التي وجهت لرجل الأمن، والتي تمثلت على سبيل المثال في اتهامه «بالتلفظ على ولي الأمر»، وتهديد رجل الأمن «دق على عمتك خليها تصعد الموضوع»، و«دق على عمتك عشان تتصل على الإعلاميين»، والكلمات العنصرية «اسم البدو»، إضافة إلى توثيق بالصوت رفضه الامتثال لتعليمات رجل الأمن بإبراز الهوية. وظهر في المقطع بعض تفاصيل السائق المخالف. الجزء الثاني: استخدام الهاتف المحمول لإحدى مرافقتيه أو كلاهما بإنتاج الفيديو عن طريق تصوير رجل دون موافقته، وهنا انتهاك الخصوصية. وكذلك استخدام الهاتف المحمول للتشهير برجل الأمن. هل ستجر الأدلة «العمة» إلى مسرح الجريمة الافتراضي؟ لابد من فحص الهاتف المحمول وبالذات رسائل الواتس آب للجهاز الذي أنتج المقطع لمعرفة هل أرسل المقطع للعمة أم لا؟ أو أطراف أخرى؟ وما نوعية المحادثة التي كانت بين الأطراف؟ وهل توجد نصوص يمكن الاستناد عليها كأدلة تفيد في هذه القضية؟ وإذا وصل المقطع إلى العمة وثبت ذلك قد يتم التحفظ على هاتفها إذا رأى المحقق ذلك لمعرفة هل هناك محاولة للضغط على رجل الأمن عن طريق الإنترنت؟ وقد تقود الأدلة الرقمية لمسرح جريمة افتراضي آخر. السابقة الفريدة تكمن بعد إجراء الفحص الجنائي والتأكد من سلامة الأدلة لمعرفة أي جهاز جوال قام بإنتاج الفيديو بأن الأدلة الرقمية ستنقلب على أسرة السائق المخالف، وستنفي التهمة عن رجل الأمن، وفي ذات الوقت ستثبت التهمة عليهم. وسيكون جهاز أسرة السائق المخالف هو من قادهم إلى السجن والغرامة. التوثيق ليس دائماً في صالحك انتبه، ولك بأسرة السائق المخالف عبرة.. وعلينا جميعاً الامتثال لأوامر رجال الأمن، فهم يسهرون الليل لخدمتنا، وضحوا بأرواحهم لنعيش. فعلينا احترامهم.. والأدلة الرقمية هي أدلة نفي وإثبات. الأدلة الرقمية تنصف رجال الأمن وأنهم على قدر المسؤولية فلوزارة الداخلية الحق أن تفخر بهم.