فيما لا يزال عدد الأطباء غير السعوديين (27282 طبيبا أجنبيا) يتجاوز ضعف عدد السعوديين في وزارة الصحة (11172 طبيبا سعوديا) -وفقاً لآخر إحصاء رسمي للوزارة لعامها المالي الماضي-، بلغ عدد الأطباء السعوديين الباحثين عن عمل في القطاع الحكومي والمصنفين مهنياً من قبل هيئة التخصصات الصحية والمسجلين في قاعدة «طاقات» و«جدارة» 5723 طبيبا يحمل شهادة البكالوريوس، و72 طبيبا حاصلا على شهادة في الدراسات العليا، ويوضح الإحصاء أن ليس كل الباحثين عن العمل عاطلين. ولا تتجاوز نسبة الأطباء السعوديين 29.1% من إجمالي الأطباء في وزارة الصحة الذين يتجاوزون 38 ألف طبيب، وتتجاوز القوى العاملة الصحية بالوزارة حاجز ال70 ألفا. وينتقد مواطنون وجود أطباء غير سعوديين بتخصصات غير نادرة في مستشفيات ومرافق وزارة الصحة، في وقت تتوقع هيئة التخصصات الصحية أن يتخرج 1144 طالبا حاصلا على درجة البكالوريوس في الطب البشري من الخارج في العام الحالي، فيما بلغ عدد الطلاب المتوقع تخرجهم هذا العام 3210 من داخل المملكة. وتثير الأرقام والمؤشرات القادمة من الجامعات والجهات الراصدة للباحثين عن العمل، سيلا من التساؤلات عن استمرار تفوق أعداد الأطباء غير السعوديين على الكفاءات المحلية، التي تتكفل الدولة بمصاريف دراستهم، ما يراه ناقدون أشبه ب«غياب للرؤية» ظل يلاحق الوزارة في هذا الملف. وعود تتكرر سبق أن أقر المهندس خالد الفالح إبان حمله «حقيبة الصحة الوزارية»، بوجود تحدي توطين الوظائف الصحية قبل 3 أعوام. وعادة ما كانت وعود «توطين الوظائف الصحية» تتكرر على مسامع السعوديين، إلا أن عددا كبيرا من المواطنين يصفونها ب«مجرد وعود لا تحقق». وأقر مسؤول سابق في وزارة الصحة (فضل عدم ذكر اسمه)، ترك منصبه الإداري واستمر في عمله المهني طبيبا، بوجود معضلة داخل الوزارة في استيعاب خريجي كلية الطب، لافتاً إلى أن بعضهم تجاوز ال5 أعوام من تخرجه. وقال المسؤول السابق في الوزارة ل«عكاظ» إن أعداد الخريجين في تزايد، ما يعني زيادة أعداد العاطلين عن العمل، متهماً وزارة الصحة بالمماطلة في توظيفهم بحجة عدم وجود ميزانية الى جانب رفضها اعتماد استراتيجية التوظيف حسب الأقدمية، في حين أن العيادات والمستشفيات الخاصة، تفضل توظيف الطبيب الأجنبي لكون تكلفة توظيف الأخير أقل من الطبيب السعودي. مماطلة وأشار إلى وجود أطباء مضت 4 أعوام أو أكثر على تخرجهم، مضيفاً «الوزارة تكتفي بتوظيف عدد قليل من أصل مئات من الخريجين سنويا، إلى جانب تعللها باكتفاء المراكز الصحية من الكادر الطبي في حين أن النقص لا يخفى على أحد». وتساءل المسؤول: لماذا لا يتم توظيف الأطباء المواطنين خصوصا أن الكثير يشكون ندرة وتأخر كثير من التخصصات في المراكز الصحية بسبب النقص في الأطباء؟ وعن الأسباب التي تحول دون قدرة «الصحة» على توظيف العاطلين من الأطباء وسد النقص الموجود بالمستشفيات وفي المراكز الصحية؟ وأضاف «الأطباء السعوديون أقل بكثير من الأطباء الأجانب في منشآت وزارة الصحة ما نتج منه عجز في تقديم الخدمة للمرضى، والكثير منهم يتساءل عن مصير العاملين والأطباء في برنامج الخصخصة الجديد، وهل سيتم نقلهم إلى باب التشغيل الذاتي؟ وما مصير الأطباء في الوزارة الذين تجاوزت خدمتهم 30 عاما؟». إضافة إلى أن أعداد الأطباء الأجانب ضعف أعداد السعوديين في وزارة الصحة، ينتقد المسؤول ما يسميه «ضعفا كبيرا في رواتب الأطباء السعوديين في القطاع الحكومي مقارنة بأطباء القطاع الخاص المسيطر على الواقع الطبي بالحوافز المادية». في المقابل، رغم أنه لا يتردد في تأكيد فشل وزارة الصحة في سعودة القطاع، إلا أن عميد كلية الطب السابق في جامعة أم القرى الدكتور أنمار ناصر يلفت إلى أن وجود عدد كافٍ من المقاعد التي يشغلها أطباء أجانب مرتبط بظروف معينة، ترجح كفة الأجانب في سباق التوظيف! أطباء قانعون ويرى الأستاذ المشارك في كلية الطب واستشاري جراحة المسالك والكلى بالمركز الطبي الدولي الدكتور أنمار ناصر، أن كثيراً من الأطباء الأجانب في مستشفيات وزارة الصحة، يملكون شهادات أعلى من الوظيفة التي يشغلونها، مضيفاً «كثير من الأطباء الأجانب الذين تتعاقد معهم وزارة الصحة، هم أطباء حصلوا على شهادات متقدمة في الطب، إضافة إلى امتلاكهم سنوات خدمة جيدة، بالمقابل يقبلون العمل في وظائف أدنى من شهاداتهم وهذا ما لا يقبله السعودي، إضافة إلى قبولهم رواتب أقل من تلك التي يطلبها نظراؤهم السعوديون، رغم امتلاكهم شهادات عالية». ويذهب الدكتور أنمار إلى أن القضية لا تقف عند توطين الوظائف الطبية، بل تطفو على سطحها مشكلة أخرى، مرتبطة بمحدودية برامج التدريب التي يمكن للخريجين الالتحاق بها مقارنة بعددهم الكبير. غياب التدريب وقال إن «معظم الذين شملتهم إحصائية وزارة الصحة هم خريجو بكالوريوس طب.. وحملة البكالوريوس يحتاجون لتدريب إضافي حتى يكونوا لائقين كفاية لحاجة المستشفيات»، مشدداً على أن معظم البرامج التعليمية بكليات الطب تمت صياغتها بشكل يجعل من حاجة الخريج للالتحاق ببرنامج تدريبي أمرا ضروريا. ويضيف «تقدم المستشفيات فرصا أخرى تسمى وظائف تغطية الخدمة وهي وظيفة تشبه عمل طبيب الامتياز من حيث الدور المساعد الذي يؤديه مع الطبيب في العيادة من إنهاء مهمات الكشف الأولي وتغطية المناوبات، إلا أنها لا تملك تاريخ نهاية، الأمر الذي لا يجعلها مرغوبة بالنسبة لهم». ورغم محاولات الوزارة معالجة هذه المشكلة، برفع فرص قبول الذين اختاروا مسار «التغطية الخدمية» في برامج التدريب، إلا أن العدد الكبير لهم يعطل فرص الحل ويصعب المنافسة بينهم. تحول الأطباء ويعلق الدكتور أنمار الجرس من جديد على نوع البرنامج التدريبي الذي يحصلون عليه في الكليات الطبية، إذ إنها لا تهيئ الطبيب السعودي للعمل في المناطق النائية «طبيبا عاما»، التي تشكل معظم الوظائف التي يشغلها الأجانب، منادياً بتسريع عملية التحول من الطبيب العام إلى طبيب العائلة «العالم اليوم يعتمد على طبيب العائلة بنسبة تتجاوز ال70%، فيما لا يتجاوز الاعتماد على التخصصات الجزئية التي يشكل السعوديون العاطلون شقا كبيرا منها ال20% وربما أقل من اعتماد العالم». ويرى أطباء سعوديون، تخرجوا من كليات طب سعودية ويقبعون في قائمة الانتظار للحاق بوظيفة حكومية، أن فترة انتظارهم طويلة، منتقدين إلغاء التوظيف المباشر، إضافة إلى إلغاء العقود الذاتية (اللوكم) للأطباء حديثي التخرج. غير منصف ويعتبر خريجون من كليات طب سعودية، تحدث عدد منهم إلى «عكاظ»، أن إجبارهم على التسجيل في برنامج التوظيف «جدارة» «غير منصف لهم»، معللين انتقادهم ب«الاقتصار على إعلان توافر عدد قليل من الوظائف للأطباء والطبيبات على مستوى المملكة في تخصصي الطب وطب الأسنان». وفيما يتذمر مواطن من بطالة زوجته التي تخرجت طبيبة منذ عام بمرتبة الشرف الأولى، وحاصلة على درجة عالية في اختبار هيئة التخصصات الصحية، تشير طبيبة الأسنان حنان فلمبان، التي تخرجت بمرتبة شرف في جامعة الملك عبدالعزيز، إلى توقعها وهي على أعتاب التخرج أنه «إذا لم يتم قبولي في وزارة الصحة، فالمستشفيات الحكومية الأخرى ستقبلني، فاتجهت بحماس إليها لكنني اصطدمت بأنه: لا توجد لدينا شواغر لأطباء الأسنان».