لم تكن دار الندوة في مكةالمكرمة سوى أول برلمان لقريش حاولوا من خلاله إصدار قراراتهم المهمة لمحاربة الدين الإسلامي مع بدايات دعوة الرسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام. البرلمان الجاهلي الواقع إلى مقربة من الصفا، كما أوضح أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى الدكتور فواز الدهاس ل«عكاظ» أن المشركين عند رصدهم بدء هجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وظهور ملامح قوتهم، ساورهم القلق والهم بشكل لم يسبق له مثيل، فقد تجسد أمامهم خطر حقيقي عظيم، أخذ يهدد كيانهم الوثني والاقتصادي. وأشار الدهاس إلى أن شعور المشركين بتفاقم الخطر الذي كان يهدد كيانهم، دفعهم للبحث عن أنجح الوسائل لدفع هذا الخطر الذي مبعثه الوحيد هو حامل لواء دعوة الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وأضاف: «عقد برلمان مكة (دار الندوة) في أوائل النهار أخطر اجتماع له في تاريخه، وتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية، ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعًا على حامل لواء الدعوة الإسلامية؛ وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائيًا. وكانت الوجوه البارزة في هذا الاجتماع الخطير من نواب قبائل قريش أبو جهل بن هشام وجبير بن مطعم وشيبة وعتبة أبناء ربيعة والنصر بن الحارث وأبو البختري وأمية بن خلف و14 من كبار قريش». وزاد:«بعد اكتمال نصاب المجتمعين بدأ عرض الاقتراحات والحلول، ودار النقاش طويلًا، فمنهم تقدم كبير مجرمي مكة أبو جهل بن هشام وقال: والله إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نَسِيبا وَسِيطًا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعَقْل، فعقلناه لهم، ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فورًا». وأضاف الدهاس: «أخبر الله رسوله بوحي منه بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، وبين له خطة الرد على قريش فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه.، ليذهب النبي في الهاجرة حين يستريح الناس في بيوتهم إلى أبي بكر رضي الله عنه ليبرم معه مراحل الهجرة، قالت عائشة رضي الله عنها: بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذن، فأذن له فدخل، فقال النبي لأبي بكر: (أخرج مَنْ عندك). فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله. قال: (فإني قد أذن لي في الخروج)، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم)». وأوضح الدهاس أن هجرة رسول الله في ذلك اليوم أجهضت مخططات برلمان قريش، وفشلت أولى نتائج اجتماعه التي قضوا نهارهم في الإعداد سرا لتنفيذها.