لقد ألقت قريش قيادها لرسول الله من قبل فتح مكة.. ذلك أن خيرة شبابها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص التقيا في الطريق إلى المدينة وهما ذاهبان لإعلان الإسلام ولم يبق من قيادات مكة سوى أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل، ومع ذلك فإن قريش نكثت بالعهد بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أدى إلى خروج النبي عليه الصلاة والسلام من المدينةالمنورة في عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار لفتح مكة، وكان على رأس إحدى الكتائب خالد بن الوليد نفسه. والعجيب والجميل ذلك الموقف العام الرائع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف في الحرم المكي وقال مخاطباً قريش: «ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخٍ كريم. فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا فأنتم الطلقاء». إن الدرس الكبير من فتح مكة هو هذه الروح السمحة التي هي من أخلاق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهي نبراس لنا لنقتدي به عليه الصلاة والسلام في حياتنا العامة والخاصة. وقد خصص صديقي وأستاذي الشيخ أبو تراب الظاهري رحمه الله كتاباً لوفود العرب الذين جاءوا من كل أرجاء الجزيرة العربية للتعرف على حقيقة الرسالة الإسلامية من مصدرها الأعظم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمى الشيخ أبو تراب كتابه هذا «وفود الإسلام» ونقل الشيخ أبو تراب في مقدمة الكتاب عن ابن إسحاق رحمه الله أنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف، وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه. قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع، وأنها كانت تسمى سنة الوفود. قال ابن إسحاق: وإنما كانت العرب تربص بإسلامها أمر هذا الحي من قريش، لأن قريشا كانوا إمام الناس وهاديهم وأهل البيت الحرام وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم، وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه، فلما افتتحت مكة ودانت له قريش ودوخها الإسلام، عرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عداوته فدخلوا في دين الله، كما قال الله عز وجل، أفواجا يضربون إليه من كل وجه، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا». السطر الأخير: قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء * كاتب سعودي