متصالح مع ذاته والآخرين، فيه من خصائص الجوف اعتدال مناخها، وعراقة تاريخها، وخصوبة أرضها، وشفافية مائها، وعطاء نخيلها وتجذر زيتونها، يرى أن الماضي لا يمضي تماماً كونه الصلب من الذاكرة، وأن الحكايات المغرقة في تفاهتها تكون أحياناً جديرة بأن تروى أكثر من سواها. القاص عبدالرحمن الدرعان المولود في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف عام 1962، عمل معلماً ومرشداً ومدير مدرسة، ورئيساً للنادي الأدبي بالجوف، وأصدر مجموعته القصصية الأولى «نصوص الطين» عام 1989، ولم يمض عام حتى احتل صدام حسين الكويت، فأحرق المجموعة القصصية احتجاجاً واستنكاراً على طريقته، ولزم الصمت عقداً كاملاً ليصدر «رائحة الطفولة».. حظينا بفرصة مسامرته وكان سخياً كعادته.. • ما أحدث ما كتبت؟ •• كتبت بعض القصص القصيرة التي آمل إصدارها قريبا في مجموعة، علاوة على العمل على مشروع نص طويل لا يزال في طور التكوين. • هل زهدت في النشر؟ ولماذا؟ •• لم يعد النشر هدفاً للكاتب، لاسيما بعدما أصبح هذا الفضاء السيبيري متاحا، أصبح الإعلام الورقي أشبه بالعملة الفاسدة، خصوصا أن تلك الصحف والجرائد التي ظلت في سباق عميق لم تستطع مواكبة وسائل الإعلام الجديد، وأظن أن معظمها في طور الاحتضار. ورغم ذلك فإن من ينشرون كتاباتهم في وسائل الإعلام الجديد تتهددهم ما تفتقر إليه من الموثوقية والحماية وحقوق الملكية. رغم أني أهم أحيانا بنشر نص ما: هل ثمة من بوسعه أن يقرأ في وقت تحول الجميع إلى كتاب ومنظرين وحكماء، وهنا أتذكر ما وقع للكاتب والشاعر عباس بيضون عندما صادف أحدهم ذات مرة وسأله إن كان كاتبا أو شاعرا فأجابه: لا هذه ولا تلك بل قارئ! ما أثار دهشة عباس الذي ظن أن هذه الفئة انقرضت. • لماذا نعشق رمضان مع ما فيه من حرمان؟ •• يفترض أن ينطوي رمضان على خصوصية ومعان وأبعاد روحية بما يحمله من ذاكرة جميلة لدى معظم الشعوب الإسلامية، غير أننا نشاهد اليوم محوا لهذه الذاكرة وتقويضا للعادات التي صنعها رمضان الماضي وتفريغا للمعاني الروحية، واستبدال الصورة الذهنية بأخرى تنسجم مع ما يحدث في العالم من تحولات تجاه مظاهر الجشع والعنف والاستهلاك والفوضى والاستعراض وخلافه. • ماذا بقي في الذاكرة من رمضان الطفولة؟ •• سؤالك يأتي في ذات الليلة التي تتزامن مع ذكرى وفاة والدي، رحمه الله، الذي كان يؤم المصلين في رمضان، ويكلفني بقراءة بعض الكتب في مسامراتنا بعد التراويح. ورغم مضي 11 عاما على وفاته لا يزال يحيا بداخلي ويموت مجددا في 15 رمضان من كل عام، ومنذ تلك اللحظة لم يعد للنصف الثاني من رمضان نكهة نصفه الأول. • هل تذكر أول يوم صيام؟ •• نعم أتذكر.. كنت آنذاك في الصف السادس الابتدائي، أصوم يوما وأختلس يوما مع اشتداد الحر. • أي بلد استهواك الصوم فيه؟ •• قلما سافرت في رمضان، لكنني أعتقد أن ممارسة العبادة (إذا ما استثنينا هالة المظاهر الاجتماعية) هي تعبير عن طقس شخصي يترجم علاقته بربه، سواء مورست في مكة أو الخرطوم أو حتى الإسكيمو. • ما طقوسك الرمضانية؟ •• رمضان يتيح لي، بسبب الخمول الذي يعتري بيوتنا، وقتا جميلا للاختلاء بنفسي وممارسة القراءة والكتابة، أقرأ فيه أضعاف ما أقرأ وأكتب في سواه. • من تدعو لمشاركتك مائدة الإفطار؟ •• أتوق لمشاركة فطوري مع أي عابر، غير أن أول من أطل علي من بين سؤالك وجها صديقيّ زياد السالم، وراضي الشمري، معهما سيكون للماء وحده طعم القصائد وحكايات العشق والجمال. • وما طبقك المفضل؟ •• لست على وفاق مع طبق معين لا في رمضان ولا سواه، كل الأطباق طيبة إذا طيبتها العافية. • من تفتقد في رمضان؟ •• أفتقد أبي، كما أشتاق لصوت أمي الأخضر، وهي ترصع ليالينا بخرز الحكايات الجميلة. أفتقد صديقي الهائم على وجهه كالقنديل في المتاهة درويش حارتنا القديمة ذلك الذي أشرع نافذة غرفته ذات مساء على النخل وأرسل نظرته الأخيرة للسماء ولم يعد، تُرى هل مات أم أن غيمة ستعيده يوما مشغولا بالأغنيات على وتر الربابة؟! أتساءل وأخاف أن أكتب اسمه فيموت حقا. • أي قناة تستأثر بمشاهدتك؟ •• لست مثابرا على متابعة القنوات ما عدا برنامج «الراحل» في روتانا، وبرنامج «من الصفر» في mbc، والعاصوف الذي تابعته بعد الجدل حوله. • كيف أنت مع التسامح والعفو في رمضان؟ •• نحن نضفي على أنفسنا قداسة الزمان والمكان، غير أن حقيقتنا لا تتبدل بالمواعظ ولا بالشعارات الطوباوية التي نرتديها كأقنعة موسمية، فهذه المواسم ليست مطهرا ندخله ونخرج منه أنقياء، بل هي أشبه بصافرة تنبيه ودعوة لتأمل ذواتنا، ومن الجميل أن نستغلها لا باعتبارها استراحات أو مواعيد للالتقاء بضمائرنا النائمة وحسب. فالتسامح والعفو لا يقدم كاعتراف، بل هو قيمة لا تتحقق منها إلا بالاختبار. • ماذا تقرأ هذه الأيام؟ •• بين يدي رواية «اليوم ما قبل السعادة» للكاتب إري دي لوكا، ومجموعة قاسم حداد «تعديل في موسيقى الحجرة».