ثمة أسباب تؤجج الخلافات بين الورثة، ومن أهمها تدخل المٌورث في موضوع الإرث قبل وفاته، وكأنه يتدخل في تقسيم التركة، أو أن ينفرد بعض ورثته بخصوصيات وأسرار تتعلق بتركته دون أن يطلع البقية، مع أن هذا الأمر ليس من شأنه أبدا، لأن التركة متعلقة بحالها عند موته وليس قبل ذلك، فهو لا يعلم عن أجله شيء، وقد يطول عمره وتزيد هذه التركة أو تتغير بعد قسمة لها، فيكون بذلك ظلما وتعديا، وربما تضيع هذه التركة أو تنقص فيكون بذلك أجحف في الحقوق، فيحصل الشقاق وربما يخلق الله عز وجل وريثا آخر كنطفة تكون في رحم زوجة لا يعلم عنها قبل وفاته، فيضيع حق هذا الوارث قبل وصوله للدنيا، وأما أن يتعدى بالوصية لأحد الورثة، ولو بصورة متحايلة، كالبيع والشراء في بعض الأملاك، وهو يعلم علم اليقين أن هذا بيع صوري لإضاعة حقوق بقية الورثة، كأن يكونوا أبناء لزوجة مطلقة أو ما شابه ذلك، فهنا يقع هذا المورث في الظلم العظيم والاعتداء على الحدود، كما قال (صلى الله عليه وسلم) في الصحيحين لا وصية لوارث، فلا مجال في توزيع أنصبة الميراث للمجاملة ولا للواسطة ولا للرأي ولا للهوى، إنها شريعة الله وتولى قسمة المواريث منعا للنفوس الضعيفة المفتونة بالمال، أن تتلاعب بمال الورثة ومنعا للشقاق والاختلاف، تولى الله قسمة المواريث لكي يضفي على المؤمن الطمأنينة والرضا إذا علم حينما يقل نصيبه أو حينما يمنع من الإرث أن نقصه أو منعه آت من لدن أحكم الحاكمين فيرضى حينذاك بحكم الله. ويحسن بنا أن نوضح هذه الصورة بشكل أوسع فإذا قال قائل إن المورث في حال حياته يملك ماله، ولا يحق للورثة فيه شيء وله كامل الحق في التصرف في ذلك، فإننا نقول إن هذا الكلام صحيح، وهو صواب محض، لكن إذا رغب المورث أن يهب لأحد ورثته الشرعيين هبة خاصه وإن كانت عينية كعقار، أو ما شابه من غير الأمور النقدية، فعليه مراعاة أمرين اثنين، أولا: قوله صلى الله وعليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» ثانيا: يلزم أن ينقل العين الموهوبة للشخص الموهوبة له نقلا تاما كاملا، تنتقل به منفعته الكاملة من المورث إلى وارثه الذي وهبه إياها في حياة المورث، وليس بعد موته، لأنه إن أعلن المنفعة بها بعد وفاته فهذه تكون وصية، ولا وصية للوارث كما أسلفنا، أما إذا انتقلت المنفعة من الواهب للموهوبة له، فهذا أمر لا خلاف فيه ولا لأحد حق أن يعترض على ذلك. والخلاصة أنه على كل من له مال يورثه نقديا أو عينيا أن يتقي الله ويتبع هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) ويكتب وصيته، ويبقيها دائما عند رأسه ليطلع عليها كامل الورثة في حال وافته المنية. * أستاذ علم الجريمة [email protected]