العقل سيد العاطفةِ وضابطها عند القياديِّ المتمكن، ومن المؤكد أن السلوك القيادي والإدارة، له أثرٌ على الاستقرارِ في البيئة العمليَّة على فريق العمل والجودة العملية ويتضح ذلك من خلال الإنتاجية. من حقِّ كل إنسانٍ أن يطمح ويحْلُم وينافس بشرف، لكن الحُلُم للوصول إلى منصبٍ مهنيٍّ أو اجتماعيٍّ معين، لا يعني أن يعمل لنفسه فقط ويُعمِل الآخرين له! فإنّ الصادق يُدرك أن عليه أكثر مما له، فدورهُ في خدمةِ الآخرين أهم وأكثر مما لذاته، (ولهذا النَّوع من الطموح آدابٌ وأولوياتٌ يُدركها كل عاقلٍ مُهذَّب). إن القيادة والإدارة لا تنسجمُ مع الشخصية المزاجية صِرفة، حتى ولو حظي ببعض النَّجاحات، فالتوتر والتَّردد والازدواجية والتناقض، كل هذه السلوكيات واضحةٌ لدى من يُسَيِّر الناس والعمل بمزاجه، وقد يتساءلُ أحدنا عن رموزٍ في التاريخ الحديث وما قبله وُصِفُوا بالمزاجية؟! نعم هنالك قادةٌ ورموز إدارةٍ لا يستطيعون تعديل الطبيعة المزاجيَّة في ذواتهم، ولكنهم يتمتعون بحسن إدارةِ الذَّات وضبطها في ما يخصُّ الآخرين وشؤونه الخاصة. من يُدير فريقَ العمل وشؤون الناس بمزاجيته لن يحظى بأدنى نِسبِ الولاء والتقدير الحقيقيِّ ممن حوله حتى ولو أوهموه بغير ذلك، فالمسؤول المزاجيُّ يجرحُ دون أن يشعر، ويُعطّل مصالحَ الآخرين، وينتقص بقصدٍ أو بغير قصدٍ جهودَ ومقامات أطرافٍ لها تأثيرٌ ومكانةٌ ربما تفوقه بمراحلَ في القدرة والبذل. خُلاصة المقال في نِقاطٍ مُبسَّطة: • يُلاحَظ في المقال كلمتي «القياديُّ والمديرُ» وللتوضيح فإن أهل الاختصاص يُفرّقون بينهما حسب طبيعةِ البيئة العملية وبإمكان المهتمِّ بالتفاصيل أن يقرأ أو يستفسرَ أكثر من المختصين في علم الإدارة. • في حالِ كُلِّفتَ بمنصبٍ قياديٍّ فإنه يتوجَّب عليك رَكنُ مزاجِك الشخصيِّ بعيدا عن تعاملك الإنساني مع زملاءِ العمل وأوراق العمل واحتياجاته، والالتزام بمهنيَّة القياديِّ المحترف من خلال «التعامل الحكيم مع فريق العمل، الاجتماعات والاستشارات الخالية من المجاملات، الحرص على انتقاءِ ذوي الكفاءةِ العاليةِ في مهام العمل، وانتقاءِ الأدواتِ الأجود، والعنايةِ بعاملِ الوقت في كل جوانبِ العمل والإجراءات، والدِّقة في توزيع المهام وغير ذلك». • خَلقُ روحِ العمل الجماعيِّ والتقارب النفسيِّ لا يُجيده المزاجيُّ حتى ولو تمكّن من ذلك لفترةٍ قصيرةٍ، فإنه سرعانَ ما يدمِّرهُ عند أقربِ تغيّرٍ في حالته المزاجية. إذا أردنا أن نُصحِّح الكثير من الأخطاءِ الشَّائعة في البيئةِ العمليةِ أو الاجتماعية؛ فيجب أولا التركيز على هرمِ المنظومةِ من النَّاحيةِ القياديَّة النفسية والمهنيَّة الإداريَّة، لذا فعلى من يُدير مسؤوليةً ما؛ ألا يكون ممن يربطَ العملَ والتعاملَ حسبَ توقيتِ مزاجه، ويجب أن يُنصِت جيدا ويُنصفَ ويلتزمَ الثبات الحكيم عند المشكلاتِ المتوسطةِ أو الأعلى من ذلك، فلو أنَّ من يلهثون خلفَ الكراسي لامتطائها أو التنافس على التَّصدُّر في أي شأن اجتماعي؛ يعلمون ما يتبعُ هذه المسؤوليات من آثارٍ ظاهرةٍ وخفيّةٍ لأعادوا النظر في قدراتهم الحقيقيَّة ونشوة حُب إبراز الذَّات لأجل الذات لا للنفع والنهوض بما هو مسؤولٌ عنه للأفضل والقيام بالواجبات. هذا الاحتياجُ الأساسيُّ في سماتِ القياديِّ ليس فقط في المؤسَّساتِ العملية فحسب! بل هو مطلبٌ مهم عند المُعلمِ والوالدين والمُفكر والنَّاصح.. إلخ.