أقيمت صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة صباح اليوم (الاثنين)، تأسيا بسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام عند الجدب وتأخر نزول المطر، أملاً في طلب المزيد من الجواد الكريم أن ينعم بفضله وإحسانه بالغيث على أرجاء البلاد. وأدى جموع المصلين صلاة الاستسقاء في المسجد الحرام يتقدمهم مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل. وأم المصلين إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي، حيث ألقى خطبة أوصى فيها المسلمين بتقوى الله عز وجل ومراقبته وطاعته وعدم معصيته والتوبة إليه واستغفاره والتضرع إليه وسؤاله. وقال: إن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا في كتابه الكريم أن سبب هلاك الأمم قبلنا هو الذنوب والعصيان، قال جل ثناؤه (كدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وأنه كما من المقرر عند المؤمن أنه ما من بلاء يحلُّ بالمسلمين إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة قال الله سبحانه وتعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ). وأضاف يقول: إن الذنوب تُحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن قال الله سبحانه وتعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، ظهر الفساد في البر والبحر، كالجدب وقلة الأمطار وكثرة الأمراض والأوبئة، وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر، ليُصيبهم بعقوبة بعضِ أعمالهم التي عملوها في الدنيا كي يتوبوا إلى الله ويرجعوا عن المعاصي، فتصلح أحوالهم، وتستقيم أمورهم، وإذا كان العبد يجازي بعقوبات مختلفة بسبب ذنوبه فكيف لا يراجع نفسه في كل ما يقع عليه. عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إِلاَّ بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ، وَقَرَأَ (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير). وأفاد بأن ما أجمل أن يلوم المرء نفسه ويحاسبها ويعاتبها في ذات الله إذا أصيب بشيء وأن يستشعر أن الذي أصابه بسبب ذنب أو مخالفة ارتكبها. وبين الشيخ غزاوي أن كل ما يصيبنا سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات والأمم من فقر ومرض وأزمات ونكبات وتعسر أمور وهزائم وغلبةٍ فهو نتيجة حتمية لما كسبت أيدينا، وبدلا من أن نلوم الآخرين، علينا أن نلوم أنفسنا ونرجع إلى الحق ونتوب أفرادا وجماعات (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، مشيراً إلى أن الواجب في مثل هذه الظروف أن نراجع أنفسنا ونسعى في إصلاح ما فسد من أحوالنا ونصحح مسارنا ونعود إلى طريق الجادة. وأوضح أنه لا ينبغي لنا وقد عرفنا داءنا أن نتعامى عنه ونتغافل ونستمر في غينا وبعدنا، وأن هناك من المعاصي ما قد يستهين به بعض الناس مع أن عاقبته وخيمة وشؤمه عظيم، فإضاعة الصلاة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وآكل الربا والرشوة وشهادة الزور والحسد والغيبة والنميمة وظلم العمال وتقشي المنكرات بأنواعها وخذلان المسلم وعدم نصرته وهو أحوج ما يكون إلى نصرة أخيه وغيرها من المفاسد والمنكرات كلها مؤذن بعقوبة عاجلة ومنذرة بعذاب شديد، ولكن متى ما غيرنا ما بأنفسنا من المعاصي والسيئات وانتقلنا إلى طاعة الله غيَّر الله علينا ما نحن فيه من الشقاء والضيق إلى السعادة والخير والسرور والغبطة والرحمة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وأشار الشيخ غزاوي إلى أنه من آثار الذنوب حرمان الرزق قال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه. وما استجلب رزقُ الله بمثل تقوى الله واجتناب المعاصي فتقوى الله سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، وجاء في الحديث: لن يهلك الناس حتى يعذِروا من أنفسهم. يعني أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيستوجبوا العقوبة ويقيموا لمن عاقبهم العذر في ذلك. وشدد غزاوي على أن الواجب على المسلمين العودة إلى الله عودة صادقة وأن نتوب إليه توبة نصوحاً، فإن التوبة سبب للمتاع الحسن ونزول الغيث وزيادة القوة والإمداد بالأموال، قال تعالى (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير). وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن من حكم الله في الابتلاء أن تستيقظ النفوس وترق القلوب بعد طول غفلة فتتوجه الخلائق إلى ربها يتضرعون إليه ويدعونه رغبا ورهبا، يرجون رحمته ويخافون عذابه، فيجدون في ظل الضراعة والمسكنة والإنابة إلى الله الطمأنينة والراحة والأمل في الفرج والوعد بالبشرى، وكفى بالتضرع دليلا في الرجوع إلى الله، وأملا في الفرج من عنده، فلا يرجى في الشدائد إلا الله ولا يُقصد في الملمات سواه، فلا يُلاذ إلا بجنابه ولا ملجأ منه إلا إليه، فهو سبحانه وتعالى يجيب المضطر إذا دعاه ولو كان مشركا فكيف إذا كان مسلما عاصيا مفرطاً في جنب الله، بل كيف إذا كان مؤمنا برا تقيا، قال سبحانه وتعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء). وفي المسجد النبوي الشريف، أدى المصلون صلاة الاستسقاء، يتقدمهم أمير منطقة المدينةالمنورة الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز. وبدأ إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي خطبة الاستسقاء داعياً إلى الافتقار إلى الله واللجوء إليه فهو سبحانه يملك خزائن السماوات والأرض بيده الآجال والأرزاق والغيث، فلا يقنط المسلم حين يصيبه الهمّ أو الحزن أو تأخر الغيث، فذلك كله بيد الله، وعليه تقوى الله وطلب رحمته ومغفرته واجتناب معصيته. وقال: لله سبحانه وتعالى خزائن السماوات والأرض وكل ما سواه إليه يفتقر، وإلى فضله وعطائه محتاج، قال تعالى (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خزائنه الملأى تفيض بواسع إنعامه على الكون، فتدور الحياة طوعاً لأمره وقدرته. وتابع الشيخ الثبيتي: مرّ إبراهيم بن أدهم على رجل ينطق ووجهه بالهم والحزن، فقال له إبراهيم: ياهذا، إني سائلك عن ثلاثة فأجبني، قال له الرجل: نعم، فقال: أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله، فقال: لا، فقال أينقص من أجلك لحظة كتبها الله لك في الحياة، قال: لا، قال أينقص رزقك شيء قدّره الله، قال لا، قال إبراهيم: فعلام الهمّ إذن. وبين الشيخ الثبيتي أن الله عز وجلّ تجلّت ألوهيته وربوبيته في بسط الرزق وقبضه، فعطاؤه خير، ومنعه حكمة، يهب ما يشاء لمن شاء، كيف يشاء، ومتى شاء، فهو سبحانه الذي يبسط الرزق لعباده بجوده ورحمته، ويوسع عليهم ببالغ كرمه وحكمته، فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته، قال الله تعالى (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ)، وقال سبحانه (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). وقال: وهل يملك الإنسان حيلة إذا انقطع الماء وتوقف الحرث سوى اللجوء إلى خالقه، والافتقار إليه، يبدو الإنسان قوياً مع أنه ضعيف في كل شؤون حياته وشخصيته، قال تعالى (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)، فالافتقار إلى الله هو إدراك العبد أنه كل لله، نفسه، أهله، ماله، علمه، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى، وكلما كان العبد أعرف بالله كان أكثر افتقاراً إليه وقرباً منه سبحانه. وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي، أن افتقار المسلم إلى الله هو الخضوع والاعتراف والتصديق بأن كل فضل لله، وأن كل منة مردها إليه، قال سبحانه (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ). وفي منطقة الرياض، أدى أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين في جامع الإمام تركي بن عبدالله. وأم المصلين عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، الذي دعا في خطبته إلى التأسي بسنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ومنها صلاة الاستسقاء، موصياً بتقوى الله حق التقوى وإخلاص الدعاء والتضرع والإنابة إليه سبحانه وتعالى، داعياً إلى كثرة الاستغفار وتجنب المعاصي. وأدى الصلاة مع أمير المنطقة، مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ووكيل إمارة منطقة الرياض الدكتور فيصل بن عبدالعزيز السديري، والمستشار الخاص المشرف العام على مكتب أمير منطقة الرياض سحمي بن شويمي بن فويز، وعدد من مسؤولي إمارة منطقة الرياض وجمع من المواطنين. وفي منطقة القصيم، أدّى جموع المصلين صلاة الاستسقاء يتقدمهم أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز في جامع الأمير عبدالإله بمدينة بريدة. وأمّ المصلين قاضي محكمة الاستئناف رئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالقصيم الشيخ سليمان بن عبدالرحمن الربعي، الذي بين في خطبته أن من رحمة الله بعباده أن ينزل عليهم الغيث، مذكراً بأهمية الحرص والمحافظة على إقامة الصلاة في وقتها، وإيتاء الزكاة وإخراجها، وصلة الأرحام، والبعد عن المعاصي والمظالم. وأفاد بأن الجدب وحبس القطر علامة من علامات الله التي يخوف بها عبادة، داعيا الله أن يغيث العباد والبلاد. وأدّى الصلاة مع أمير القصيم، وكيل الإمارة عبدالعزيز الحميدان، ومدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة القصيم عبدالله بن محمد المجماج، ومدير شرطة القصيم اللواء بدر بن محمد الطالب، وأمير الفوج العاشر بالحرس الوطني بالقصيم جامع بن جامع، وعدد من المسؤولين في المنطقة. وفي منطقة الباحة، أدى جموع المصلين صلاة الاستسقاء يتقدمهم أمير منطقة الباحة الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز، وذلك في جامع الملك فهد بن عبدالعزيز بمدينة الباحة. وأمّ المصلين رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة الشيخ عبدالله بن أحمد القرني، الذي أوصى المصلين بتقوى الله وطاعته في السر والعلن وإخلاص العبادة له والتوبة الصادقة النصوح والتطهر من الذنوب والمعاصي بكثرة الاستغفار والإكثار من الصدقات. وأكد الشيخ القرني أن من أسباب انقطاع القطر كثرة ذنوب العباد وعدم الاستغفار والتوبة لله من هذه الذنوب، داعياً جموع المصلين إلى التضرع لله عز وجل بالدعاء والإلحاح في طلب المغفرة والتوبة لوجهه الكريم، والتقرب إلى الله بالأعمال والعبادات الصالحة من العطف على الفقراء وصلة الأرحام وإصلاح ذات البين والتمسك بمنهج الوسطية والاعتدال ونبذ الغلو والتطرف ومحاسبة النفس والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة. وابتهل فضيلته في ختام خطبته بالدعاء لله عز وجل أن ينزل علينا الغيث ولا يجعلنا من القانطين، وأن يجعله سقيا رحمة لا سقيا عذاب نافعاً غير ضار عاجلا غير آجل. وأدى الصلاة مع أمير المنطقة، وكيل إمارة الباحة الدكتور عقاب بن صقر اللويحق، ومدير شرطة المنطقة اللواء علي بن محمد آل هادي وعدد من المسؤولين بالمنطقة.