دائما ما تتهم قنابل الغاز المسيلة للدموع بأنها أول ما تلجئ إليه أي نظم حاكمة في ردع المناهضين والمنددين بسياساتها، وبات من المألوف مشاهدة عنف متبادل بين أي قوات شرطة، ومحتجين على خلفية الاعتراض على قرارات تثير الاستياء والاستهجان. إلا أنه لم يتخيل أن تواجه الحكومة السودانية صرخات الجوع التي تعالت أصواتها من حشود لمواطنين في العاصمة الخرطوم بقنابل الغاز، أو أن تشتبك قوات الشرطة مع أبناء جلدتهم، الذين أصابتهم أمراض سوء التغذية، بسبب الظروف الاقتصادية، والجفاف، وضعف السلوك الغذائي، نتيجة مضاعفة أسعار الخبز أخيرا، وانسحاب الحكومة من استيراد القمح، متخلية عن دورها للقطاع الخاص. أنين الجوعى في السودان لم يكن مصدره فقط تفاقم سعر كيس الطحين زنة 50 كيلو غراما من 167 جنيها سودانيا إلى 450 جنيها (25 دولارا)، بنسبة زيادة بلغت 270 %، بل جاء بعد إعلان حكومة الخرطوم تدابير تقشفية في موازنة 2018، ووصول نسبة التضخم إلى 25%، في البلد الذي يرزخ 37.5 % من سكانه تحت خط الفقر، بحسب الإحصاءات الرسمية في العام 2015. وقررت مصادرة 6 صحف، جراء انتقادها لزيادة أسعار الخبز، شملت نسخ صحف التيار، والمستقلة، والقرار، والميدان، الصيحة، وأخبار الوطن؛ ليتأكد أنه ليس فقط مؤشر الفقر الذي بلغ مستوى سيئا، إذ ترافق معه مؤشر تصنيف حرية الإعلام، الذي وصل إلى أسفل المؤشر، وفقا لما تصدره مؤسسات رصد عالمية.