استقبل العريفة بليلٍ أظلم، دخيلاً هارباً، مطالباً بدم، لم تسقطه الأعراف، ولم تستوعبه عواطف القرابة. دس الدخيل في جبة العريفة كيساً صغيراً مليئاً بجنيهات ذهب، تحسسه العريفة بيده، فأقسم أنه شريكه في ماله وحلاله، وأنه دونه في كل موقف، وطلب منه أن يلتزم الصمت، ويمثل دور الأبكم، والسدّ يعنى الله. صبيحة يوم تالٍ دعا العريفة أعوانه في القرية، وقال: ابن عمكم جاء، كان مهاجراً لإفريقيا، والبارحة رجع، وبهذي المناسبة، عشاكم جميعاً يوم الخميس الجاي عندي، ولا يغيب أحد، الصغار، والكبار، والرجال، والنساء. غدا ابن العم الأبكم حديث القرية، كونه وسيماً، وشعره مجعّد، ويعتني بلباسه، إلا أنه لا يعبّر عن مشاعره، إلا بالإشارة. أقسم الداهية أن وراء ابن العم الوافد سرّاً، وصمم على اكتشافه. البعض أخذ الأمر على محمل حسن ولم يدقق، وقال «وش علينا منه، دلوه ويتلقاه». تغير حال العريفة على الجماعة، فالجنيهات الذهب رفعت معنوياته، وغدا بيته مقصداً يومياً لشاعر القرية، والفقيه، وكان الشاعر يلغّز في قصايده، كون العريفة لم يخصه بشيء من الغنيمة، وذات ليلة، قال العريفة سمّعنا يا شاعرنا، فقال «قال ابن منصور لا عاشق سياقه ولا سوق، وأنا بغيت اشتري صالون والا كبرسن، والخط ياجي مع النقبين ونعاش راسي، وموتري صابه التعطيل من كرّ هوبه، واهل التماشي ورا وقت العصر غابنوني». في نهار تالي أرسل العريفة للشاعر، فجاء، ومد له بجنيه ذهب، وقال له «السدّ يعنى الله»، فرد «تراك في وجهي يا عريفتنا، لكن ابن عمك شاب طيب وعلى نياته، ودي أزوجه بنتي»، فقال «خلّني أشاوره يا شاعرنا ويصير خير». تمت الخطبة، وسرحت العروسة تستقي، فلحقها، وانفجعت يوم سمعته يعبّر عن مشاعره بأفصح لسان، لقطت السالفة زوجة الفقيه، وما جاء العصر، إلا والخبر في كل بيت، وانقلبت القرية على نفسها. عاد الداهية من السوق، ومعه غرماء، وسمع العريفة، فقال لضيفه تراك خرجت من وجهي، ونصحه يشرد للبادية، بدأت المعارك ورمي البارود، الطارد والشارد، قالت زوجة العريفة «وشبك ما تقوم تفك النشبة»؟ قال «خليها تتصافق لين تتوافق». علمي وسلامتكم. Al_ARobai@