يطيب للبعض أن يذكرنا هذه الأيام بالتوقف عن نقد الصحوة، زاعماً أنها صفحة تنطوي بخيرها وشرها ولا يجب أن نمارس ما كانت تمارسه الصحوة بثقافتها الممعنة في الإقصاء ورفض الآخر وتصنيف المجتمع إلخ، وهذا الرأي صحيح لو كانت الصحوة حركة أو فكرة انتشرت في وقت محدود ومرت دون أي تأثير، ولكننا نتحدث عن حقبة زمنية امتدت لعقود، ومن الأمانة الأدبية أن نُشرحها نقداً وتوضيحاً إن لم يكن لهذا الجيل فللأجيال القادمة وللتاريخ، فمن يذكرنا دائماً بالنبل وأخلاق الفرسان أود أن أذكره بأننا لسنا في حرب أو حلبة صراع بل نحن مؤتمنون أدبياً بتأريخ الأحداث التي عصفت بمنطقتنا وعلى أرض وطننا تحديداً وكان لها تأثيرات قوية اسهمت في تصدع قيمنا وتشويهنا سوسيولوجياً مما يستدعي بل يحتم علينا النقد والتوضيح والتشريح والتأريخ أيضا، وإسقاط هذه الحقبة برمتها بزعم «عفا الله عما سلف» هو ضرب من التسطيح وطمر لتاريخ موغل في الأيديولوجيا التي عبثت بجيل بأكمله! لو أردنا أن نختصر مجتمعنا بمشهدين خلال أربعة عقود فستكون كالتالي: في الماضي كان الطريق يتسع للرجال والنساء، فالجيران يسلمون على بعضهم البعض ويتبادلون أطراف الأحاديث والطرائف بكل نقاء وطيب نوايا، بينما في زمن الصحوة وحتى زمننا هذا إلى حد ما النساء بمعزل عن الرجال ولو حدث أي حوار فهو إيذان بقيام الساعة حسب أدبيات الصحوة وغلاتها! الصحوة طمست الكثير من قيمنا، طمست براءتنا، طمست ثقتنا ببعضنا، باختصار شوهتنا ومسخت هويتنا، وقد شاهدت فيديو لرجل مسن يشكو حالنا الآن من توجس وسوء ظنون قياساً بسماحة المجتمع في السابق، كان يتحدث بطريقة تأسر القلب وتجعلنا نتمنى أن يعود الزمن لنعيش تلك الألفة والمحبة والأخوة ! (سندمرهم الآن وفوراً) قالها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بكل شجاعة ونشوة وزهو، نعم سندمر التطرف ونعيش حياة أجمل مما كان يحكيها ذلك المسن، سنعيش الحاضر بجماله ونعيش المستقبل بمفاجآته بلا صحوة ولا تطرف، فما ذهب من سنوات (العزلة) كاف لأن يجعلنا نقف بكل بسالة أمام أي فكرة طارئة لنقتلها في مهدها ودون هوادة! hailahabdulah20@