يعرّف «المثقف» بحسب المفكر الفرنسي جون سارتر، أنه «صاحب القدرة على تجاوز الحقل الضيق لاختصاصه، بغض النظر عن اتجاهه ومرجعيته». أما الفيلسوف السياسي أنطونيو غرامشي، يرى في تعريف «المثقف» أن جميع الناس مفكرون، ولكن وظيفة المثقف أو المفكر في المجتمع لا يقوم بها كل الناس. إذ احتار المفكرون في وضع تعريف محدد ل «المثقف»، فوصلت إلى 164 تعريفا، وخرجت كتبا عدة لذلك بمسمى «سوسيولوجيا الثقافة». تلك التباينات طرحت عدة استفهامات؛ أبرزها: هل يمكن الفصل بين المثقف والأديب؟، وهل ثمة فرق بين الفيلسوف والمفكر والمثقف؟، وحتى هناك فرق بين المثقف والمتعلم؟، وهل كل متخصص في مجاله مثقف؟. استفهامات اختلفت فيها الآراء؛ حتى المفكرون والمثقفون أنفسهم، مثلا يجيب سارتر على الفرق بين الأديب والمثقف بتأكيده على أنه «ليس من السهل دوما الفصل بين المثقف والأديب، فالأديب قد يكون ملتزما، والتزامه لا يخل بشرط الإبداع إن كان ينبع من صميمه، وليس كل أديب مجبرا على أن يكون له التزام المثقف»، موضحا أن «ما يجعل من صاحب معرفة ما مثقفا، هو قدرته على تجاوزر الحقل الضيق لاختصاصه، بعض النظر عن اتجاهه ومرجعيته». اختطاف المفردة الروائي والكاتب عبده خال يؤكد أنه «لا ضير من أن يكون المثقف أديبا والأديب مثقفا، فالمسألة أشبه (بمن الأول البيضة أم الدجاجة)، أنا أتصور إن كل إنسان ليس بالضرورة مثقف، هي ليست طبقة محجوزة لمن يكتب، فهناك الكثير من القراء أكثر ثقافة من الكتَّاب، إذ يجد الكاتب نفسه أحيانا أمام قارئ أكثر عمقا منه، ومع ذلك لا يطلق عليه لقب مثقف أو أديب». وأضاف: «نحن احتجزنا لقب المثقف والأديب، بينما هناك من يفوقنا ثقافة وعمقا ورؤية، وعلينا أن لا نتمسك بهذا المسمى أو يتم اختطاف هذه المفردة لفئة معينة تشتغل بالكتابة، فكل مثقف في مجاله». وأردف بالقول: «نحن نتقاتل على المصطلحات، ويسعى كل منا إلى تفريغ مصطلحات جديدة، وللأسف هذه المصطلحات ليست ثابتة أو موحدة في عقليات من يتجادلون أو يتحاورون». المتعلم والمثقف ربما ثمة اختلاف جزئي بين رأي الروائي عبده خال والكاتب فهد الأحمدي، ولكن يبقى السؤال حائرا: هل يحق لكل إنسان أن يطلق على نفسه لقب «مثقف»؟!، يجيب على ذلك الأحمدي بالقول: «من حق أي إنسان أن يقول تعلمت في جامعة كذا، أو حصلت على شهادة كذا وكذا، لكن ليس من حقه أن يصنف نفسه كمثقف ومطلع، وحكم كهذا يجب أن يترك لعامة الناس ومحصلة إبداعات الفرد ذاته». وأضاف: «الثقافة الحقيقية» ليست كما هائلا من المعلومات، (فشبكة الإنترنت كذلك)، بل سلوك متحضر، وذهن متفتح، ورؤية شاملة، وامتزاج معلوماتي، وتسامح فكري، واطلاع على ثقافات ومصادر مختلفة بعضها متناقض بمعنى الكلمة، موضحا أن المثقف «ليس متعصبا أو متشددا، ولا نتاج ثقافة وحيدة، أو أفكار مقولبة، أو رؤية مقدسة، ولا ينظر لنفسه كذلك». وتطرق الأحمدي إلى الفرق بين «المثقف» و«المتعلم»؛ «المثقف» ينتشر أفقيا في عالم الثقافات والأفكار والمتقاطعة دون الانتماء بالضرورة إلى فكر ضيق يحد من قدرته على التحليل والاستنتاج. أما «المتعلم» من يحمل شهادة أكاديمية ينتمي بالضرورة لمنهج رسمي، وتخصص وحيد، وفكر مقولب، ورؤية موروثة، متخصص في مجال واحد يطغى على تفكيره، ولا يملك رؤية شاملة تدمجه بغيره، وينظر لنفسه كخريج مدرسة مستقلة في الرؤية والأهداف، يصعد رأسيا في تخصص وحيد. نماذج ثلاثة أما المفكر زكي الميلاد، فيضع أمامنا ثلاثة نماذج؛ «الفيلسوف» و«المفكر» و«المثقف»، موضحا أن «كل مفكر هو مثقف بالضرورة، وليس كل مثقف مفكرا بالضرورة، وكل فيلسوف هو مفكر بالضرورة، وليس كل مفكر فيلسوفا بالضرورة». وشرح ذلك بالقول: «في الانطباع العام أن المفكر هو أعلى درجة وأرفع رتبة من المثقف، وأقل درجة وأنزل رتبة من الفيلسوف، وبحسب هذا الانطباع الشائع فإن المفكر يقع في منزلة وسطى بين المثقف والفيلسوف، منزلة تخطت مرحلة المثقف، ولم تصل بعد إلى مرحلة الفيلسوف، لكنها تقع على هذا الطريق»، الأمر الذي يعني أن المفكر لا يكون مفكرا إلا بعد أن يتخطى وضعية المثقف، والفيلسوف لا يكون فيلسوفا إلا بعد أن يتخطى وضعية المفكر. وأكد أن الفارق الكلي والعام بين هذه النماذج الثلاثة، يتحدد وبإيجاز في أن الثقافة ناظرة في العادة إلى الجانب السلوكي والنظام السلوكي في حياة الفرد والجماعة والأمة، والفكر ناظر في العادة إلى الجانب الفكري والنظام الفكري في حياة الفرد والجماعة والأمة، والفلسفة ناظرة في العادة إلى الجانب السلوكي والجانب الفكري معا، الجانب السلوكي يتصل بمبحث القيم في الفلسفة، والجانب الفكري يتصل بجانب المعرفة في الفلسفة، وهما إلى جانب مبحث الوجود المباحث الثلاثة الأساسية للفلسفة. وأضاف: «من هذه الجهة، يعد المثقف أقرب إلى نمط النقد السلوكي، بينما يعد المفكر أقرب إلى نمط النقد الفكري، في حين يعد الفيلسوف أقرب إلى نمط النقد المزدوج بما يشمل النقد السلوكي والنقد الفكري معا».