عندما فكر الأستاذ عبدالغفور عطار بتأسيس صحيفة «عكاظ» الرائدة في عام 1379 لم يخطر له بأنها ستصبح بمرور الأيام الصحيفة الأولى لدى القارئ، وستحقق النجاحات المتتالية التي نراها ونلمسها اليوم، لأنها وللحقيقة حالفها الحظ سابقا وحالياً بقيادات تحرير وإدارة ساهموا بإرادة وعزم منذ انطلاقتها لأن تكون اسماً ومسمّى سبّاقة في الخبر بشباب مهني متخصص يسعى جاهداً للحفاظ بروح خلاّقة ومصداقية ثابتة لأن تستمر صوت الوطن والمواطن بمنافسة شريفة بين رصيفاتها التي تحاول جادة أن تسابق الزمن لتكتشف سر الخلطة، التي أوصلت «عكاظ» لهذه الشعبية بين القراء في كل مكان، وذكرياتي معها لا حدود لها منذ أن بدأت بنشر الأخبار بها كمتعاون في الثمانينات الهجرية، وكان رئيس تحريرها حينذاك أستاذي الكبير عبدالله عمر خياط، أمدّه الله بالصحة، ومدير تحريرها عبدالله الداري، وعبدالله الجفري، وعلي عمر جابر، رحمهم الله، وكانت تلك الفترة بالنسبة لي مرحلة جامعية تعلّمت خلالها الفنّ الصحفي وصياغة وتحقيق الخبر الذي كان يفرض نفسه ومكانه بالصفحة الأولى وبالخط العريض الأحمر، وأتذكر أنه بعد ثلاثة إلى أربعة أشهر يكتب لي الأستاذ الخياط بقلمه الأخضر، للمحاسبة الأخ القحطاني يتم صرف مكافأة خمسة وأربعين ريالا!. تلك الأيام وذاك الزمن الجميل كنا نلهث ونركض وراء الخبر لا يوجد فاكس ولا إيميل ولا حتى وسيلة نقل، وكم كنا نواجه الصعوبات ولكن ننسى ذلك في خضمّ الفرح والسعادة ونحن نرى وكالات الأنباء العربية والعالمية تتناقل ما تمّ نشره في «عكاظ»، وَمِمَّا أتذكّر من المواقف ومن ضمن جولاتي اليومية زرت وزير التخطيط هشام ناظر، رحمه الله، الذي كان لا يبخل أبداً على صحفي متحمّس بخبر يكون في الصفحة الأولى، واعتذر بلباقته وأخلاقه وخرجت منه لمدير مكتبه وقلت له معالي الوزير يقول الخبر عندك!، قال معاليه غدا سيتم عرض خطة التنمية الأولى على جلالة الملك فيصل، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، ومن باب الأمان طلبت منه أن يكتبه لي، وتمّ ذلك على ورق الوزارة، وفي اليوم الثاني كان هذا الخبر الذي انفردت به «عكاظ» بالخط العريض على صفحتها الأولى، وهذا موثّق في أرشيفها، واتصل بي طيّب الذكر أخونا فهد العيسى الذي كان مديراً لمكتبها بالرياض وبين أن وزير التخطيط يستفسر وبصورة عاجلة كيف تم تسريب الخبر؟ وأنه يطلب حضوري لمقابلته عاجلاً! وذهبت دون ترددّ أو وجل من العواقب وقابلته وطمأنني بابتسامته المعهودة، المهم أن أكون صريحاً معه بمصدر الخبر!، فأخبرته بأنه من مصدر موثوق بالوزارة وللمهنة سرّ فإنني أحتفظ به الى اليوم!، وانتهى الأمر بنصيحة أبوية منه بعدم نشر أي خبر عن الوزارة إلا أن يكون منه شخصياً!. مواقف وذكريات لا تنسى عشتها لحظة بلحظة مع «عكاظ» ومراحل وأماكن عملية ثريّة لن أنساها، ومن أهمها مسؤولاً للتحرير في المنطقة الشرقية وما كان يسمّى حينذاك الخليج العربي، وبعد أول لقاء للصحيفة بالأمير خالد الفيصل، وفقه الله، عندما صدر الأمر الملكي الكريم بتعيينه أميراً لمنطقة عسير استأذنت سموه الكريم بنقل الرغبة لمؤسسة «عكاظ» بافتتاح مكتب لها بالمنطقة، وتمّ ذلك، وسعدت بأن أكون أول مدير مكتب لها، ساهم في حينه بتغطية شاملة وصفحة أسبوعية عن عسير كان لها صدى ودور كبير في دعم السياحة ونشاطات سموه لتطويرها. احتفالية «عكاظ» بمرور 60 عاماً على تأسيسها يؤكد من جديد نجاح المسار وتحقيق الأهداف، وأنها بإذن الله ستتواصل لأن الأساس قويّ ومتين وصلْب، وأنها بنجومها المتألّقة لا تحتفل بسنين ماضية مستقبلية فقط وإنما بثمرة النجاحات التي تحققت بفضل الله ثم برجالها على كل مستوى وصعيد، والمسيرة سوف تستمر لتكون «عكاظ» شمس الحقيقة، وصوت من لا صوت له، بأقلام حرّة وشفافية مطلقة، تدافع عن الحق بصدق، وعن وطن أعزَّه الله بقيادة حكيمة تناضل وتجاهد من أجل رفْعة وأمن وأمان وطن ومواطن. abdsheikha@