ستون عاماً خلت، وعُباب فضل الراحل أحمد عبدالغفور عطار ما انفك يغمر مؤسسة «عكاظ» للصحافة والنشر ومنسوبيها، ليس لتأسيسه إياها فحسب حين كانت بذرة فكرة تسامقت في ذاكرته إلى أن رأت النور صرحاً على يديه في الثالث من ذي الحجة 1379ه وحسب، بل لأنه أرسى قواعدها على أرضية صلبة تجذرت فيها مفاهيم الصحافة الحرة وتأصلت المهنية الإعلامية العتيقة في تلك الحقبة الصعبة. عطار.. أديب وشاعر لكنه حلق بجناحي الإعلام منذ عقود، طوع أدبه وصحافته معاً لخدمة الإنسان وإثراء عقله وتحريره من دمامة الجهل ورتابة التفكير، كان نوعياً يؤثر التجديد على النمط السائد آنذاك، لا تأخذه جدلية النقاش إلى أن يحمل في نفسه ما يباعد بينه وبين المختلفين معه. وصفه الأديب الراحل محمد حسين زيدان بأنه شجيرة نبتت في أم القرى امتصت الصخر فغدت باسقة، ثمراتها الكلمة والأدب، وأن الحياة بالنسبة له لم تكن عذبة بين شفتين، وإنما كانت في العذاب الذي كان يعايشه فلقد ظُلِم كثيراً، وقهر ظُلم الناس عليه وظلمة الرؤية. وعندما يأتي الزيدان على عذاب الحياة ومشقتها لدى الأديب عطار، فإنه يومئ إلى الظروف التي لا تواتي المبدع في كل وقت وحين، لكنه تجلى رغم كل ذلك فأبصرت «عكاظ» النور على يديه وبملكيته الخاصة قبل أن تتحول صرحاً رائداً هو اليوم على عرش الإعلام الخليجي وفي طليعة أكثر الصحف العربية انتشاراً في محيطها وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. قصة عطار وعكاظ، لا تشبه كثيراً تلك القصص المألوفة التي أُسست بها صحفاً أخرى، بل إنه آثرها على نفسه وهو الذي ناضل إلى أن أبصرت النور، وجعلها خاضعة لنظام المؤسسات بدلاً من أن يكف عنها أو يحتفظ بها في سجله الخاص، حين ألغيت صحافة الأفراد وبات بين خيار إلغائها أو الزج بها في أتون النظام المؤسساتي المستحدث آنذاك وهو ما فعل، تاركا إياها تنمو بنسقها الفطري على مرأى منه ودون وصايته إلى آن رآها الواقع الذي حلم به، فباتت حتى اليوم تزين «ترويستها» بعبارة «أسسها أحمد عبدالغفور عطار». نال مؤسس «عكاظ»، جائزة الدولة التقديرية وكرمه الملك فهد بن عبدالعزيز، وحصل على ميدالية الاستحقاق تقديراً لإنتاجه الفكري ولإنجازاته في إثراء الساحة المحلية بالأعمال الإبداعية. ونال أيضاً مكانة مرموقة على مستوى الصحافة العربية، بأعماله الأدبية وتأسيسه لصحيفة «عكاظ» الرائدة التي كرست اسمه في العالم العربي كأحد رموز الإعلام المرموقين، كرمه رؤساء دول ومؤسسات عريقة وله عشرات المؤلفات النوعية والثرية في مجالات مختلفة في الفلسفة والشعر والقصة القصيرة والأبحاث اللغوية والفكرية. علاقته ب «عكاظ» كانت علاقة الأب بابنته، فما إن ولدت على يديه وحصل على امتياز إصدارها في شهر شعبان من العام 1379ه، بدأ العمل عليها بشكل أسبوعي وأحدث ردود فعل واسعة في الوسط الصحفي السعودي، لعراقة الاسم وقيمة المؤسس وسمعته الأدبية كونه مؤلفاً ومحققاً في كتب التراث الإسلامي والمعاجم. شغل العطار مناصب مهمة في الدولة، وعمل رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة «عكاظ»، وظل قريباً منها ويتابع تفاصيلها إلى أن توفي في جدة يوم الجمعة السابع عشر من رجب عام 1411ه عن عمر يناهز 77 عاماً.