بعد خلاف كبير ولفترة طويلة على شرعية الرهن العقاري حسمت مؤسسة النقد السعودي الموقف، وأصدرت قرارها بإلزام جميع البنوك والمصارف وشركات التمويل بتوثيق الرهون العقارية وفقاً لحقيقة عقودها، والتوقف عن الإجراءات المتبعة منذ سنين حتى إصدار قرار مؤسسة النقد والمتعلق بنقل الملكية للعقار الممول أو العقار ضامن التمويل، وهو إجراء كان فيه تعسف بحق المقترض من البنوك أو المؤسسات المالية أو الصناديق التمويلية. وقد لجأت البنوك لهذا الإجراء منذ أكثر من 30 عاماً بسبب تعليمات لم أطلع عليها تحرم الرهن العقاري بجميع أنواعه في التعاملات الخاصة، أي بين الأفراد والمؤسسات التمويلية التجارية، رغم أنه كان معمولاً به قبل قرار وقفه، واستثنى قرار وقف الرهن العقاري القروض الحكومية للأفراد والمؤسسات والشركات، حيث استمر صندوق التنمية العقاري برهن جميع العقارات الممولة من طرفه لمدة القرض، وكذلك انتهجت بقية الصناديق الحكومية الزراعية والصناعية نفس النهج، وتوقف الرهن العقاري فقط في العلاقة بين الأفراد المقترضين والمؤسسات والشركات التمويلية، وأصبحت البنوك تواجه كما كبيرا جدا من العقارات المقدمة كرهن للقروض من الأفراد والمؤسسات، ونظرا لأن نظام البنوك لا يسمح لها المتاجرة بالأراضي والعقار أي لا يسمح لها بشراء العقار من العميل، فلجأت البنوك وبموافقة مؤسسة النقد على إنشاء شركات عقارية مملوكة للبنك أو البنك أكبر مساهم فيها وتحت إشرافه بغرض نقل ملكية العقارات والأراضي والمنقولات الضامنة للقروض لها. ولجأت بعض البنوك التي لم تنشئ شركات إلى تسجيل العقارات المرهونة باسم أحد أعضاء مجلس إدارتها وهي مخاطرة بأموال البنوك، وواجهت بعض البنوك أزمات كبيرة عندما تعثر بعض المقترضين عن السداد نتيجة الأوضاع الاقتصادية أو نتيجة الأزمات الاقتصادية العالمية والمحلية. فلجأ الكثير من البنوك والمؤسسات المالية إلى بيع العقارات المنقولة لشركات البنك ضماناً للقروض. وتم بيع البعض منها بأثمان بخسة بهدف سداد المتبقي من الدين فقط، دون النظر إلى السعر حسب التقييم. وفي بعض العقود المجحفة أعطت للمؤسسة التمويلية الحق في البيع لسداد القرض والحق في الحصول على الفائض من البيع كربح للبنك، وفي بعض الحالات يعلن البنك الممول عن مزاد محدود لبعض من عملائه لبيع بعض العقارات عليهم ويدخل المزاد مجموعة تعرف (بعصابة المزادات) وهم أنواع منهم في العقار والأراضي وآخرون في المصانع والمزارع وغيرها. ويحددون السعر مسبقاً ويتزايدون عليه ويشترونه بأثمان بخسة. وهنا يلحق الضرر المقترضين. ومن مساوئ النظام القديم لضمان القروض بنقل ملكيتها للشركات الممولة ضياع أصل الصكوك نتيجة سوء الإدارة ونظام الحفظ والأرشفة، وقد عانى كثير من المقترضين من هذه الظاهرة عند سدادهم قروضهم ورغبتهم استرداد صكوكهم. نعم إن قرار مؤسسة النقد بوقف نقل الأملاك للممولين قرار سليم ومنطقي وعملي وضامن لحقوق المواطنين والشركات ومن المؤكد أن هذا القرار ينبغي أن يسري بأثر رجعي أي على البنوك والشركات الممولة لقروض سابقة أن تعيد أصل العقار إلى أصحابه من المقترضين وتطبق نظام الرهن العقاري فقط، علماً بأنه لا يستطيع مالك العقار بيعه وهو مرهون حتى يقوم بسداد القرض في نهاية المدة، أو إذا قرر بيعه في أي وقت قبل مدة السداد، ولكن بشرط سداد المتبقي من القرض مع فوائده، وهي قضية خلافية تحتاج إلى تدخل مؤسسة النقد لوضع آلية عادلة للسداد المبكر للقروض. لقد تأخر هذا القرار كثيرا ولكنه صدر أخيرا، ولتفعيله على أرض الواقع ينبغي تهيئة البنية التحتية لتنفيذه. ويأتي على رأسها توفير الأعداد الكافية من كتاب العدل واستخدام الميكنة الحديثة في عملهم أو تفعيل دور المحامين المحلفين والمرخصين لتسجيل الوكالات والعقود وعقود الشركات، ويضاف لهم الرهن العقاري، والتوسع في منح التراخيص لمكاتب المحاماة لمهمة الرهن العقاري، وهنا سوف يتحقق الهدف من نظام الرهن العقاري الجديد دون تأخير أو تعطيل للإجراءات. وأخيرا أتمنى أن ينطبق هذا القرار على البنوك الإسلامية والصناديق الإسلامية التي تعمل في السوق السعودي بدون رخص رسمية، وتقوم بعملية الإقراض بضمان نقل ملكية العقارات والأراضي إلى أحد موظفيها أو أحد أعضاء مجلس إداراتها. إن تطبيق نظام الرهن العقاري على جميع الأنشطة التجارية مثل السيارات والمعدات هو مطلب أساسي. * كاتب اقتصادي سعودي