منذ أكثر من عقدين ويزيد، وأبناء الخليج على وجه التحديد يعيشون حيرة صامتة حيال تفسير المسلك القطري، بدءا من قرار إلغاء وزارة الإعلام المصاحب لاحتضان منصات إعلامية معادية تكتنز حقدا دفينا على الخليج وأبنائه بطوائفه المختلفة، لتبدأ رويدا رويدا مرحلة كشف المستور الذي تم اعتباره في بادئ الأمر طموحا جامحا لا يتناسب بالعقل والمنطق مع الحالة القطرية، حتى وإن اعتقد القادة القطريون أن قناة تلفزيونية مؤدلجة تدس السم بالعسل يمكن أن تقلب حال الخليج وأبنائه على نحو أحلام بائسة يستحيل تحقيقها بل يمكن تسميتها بأحلام إبليس. دعونا نصدق مزاعم اختراق وكالة الأنباء القطرية، القشة التي قصمت ظهر البعير، ونغفل ما قبلها، لنواجه السؤال المشروع: لماذا لم يظهر أمير قطر فورا ويعلن المواقف المنافية والمضادة لما طرحه المخترقون المزعومون؟ عوضا عن الاكتفاء بمزاعم الاختراق، ذلك أن المتلقي يدرك أن ما تم نشره نسخة مطابقة تماما للمواقف العملية القطرية، وسبق إعلانها على لسان قيادة قطر مجزأة في أكثر من مناسبة، بما في ذلك خطابات أمير قطر على منصة الأممالمتحدة، إضافة لثبوت تلك التصريحات الصادمة، شأنها شأن الأفعال والتصريحات القطرية التي لا تعد ولا تحصى. إذن هذا هو الموقف القطري المعروف ماثلا للعيان، مخالفا كالمعتاد النهج الخليجي الواضح والسياسات الخليجية المتفق عليها في الأطر الإستراتيجية والقضايا المصيرية تحديدا، ذلك أن تطابق وجهات النظر الكاملة مسألة ليست مطلوبة على الإطلاق، رغم التطلع لتحقيقها، لكنها ملحة في قضايا الوجود، خاصة أن المملكة العربية السعودية تحديدا تتعرض لحملة شرسة من قبل متطرفين إرهابيين من طوائف مختلفة تحظى برعاية قطرية ليست خافية على أحد. معظم الدول العربية المنخرطة بصدق في محاربة الإرهاب وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تحملت الأذى طوال سنوات، وتعرضت لمخاطر جمة، وكشفت المؤامرة تلو الأخرى، وتغاضت وتسامحت وغضت الطرف، بل تلقت تعهدات تخديرية، بعضها شفهي وبعضها الآخر مكتوب، لكن الأمر ظل كما هو مقلقا حد ضرورة الخروج من دائرة الصمت واتخاذ إجراء يكفل سلامة مواطني دول مجلس التعاون من الدخول في فوضى مأمولة تطبخ على نار هادئة تأكل الأخضر واليابس، وهو الهدف والنتيجة الناجمة عن تقاطر الحاقدين على دولة قطر، الدولة المنضوية تحت لواء مجلس التعاون الخليجي المعتبر مضربا للمثل بالتماسك وصدق النوايا، بعد أن تساقطت العديد من المجالس المماثلة في شتى بقاع الأرض، ولهذا أيقنت السعودية والإمارات المتحدة والبحرين ومصر ودول مختلفة أن المكاشفة والمواجهة أضحت سر البقاء بل ضرورة حتمية. لا يمكن قبول السياسة القطرية المدمرة على هذا النحو، ويحدونا كشعوب مؤمنة بوحدة المصير أن يدرك حكام قطر هذه المرة أن الموضوع تجاوز حدود المجاملات والتغاضي والصمت، وأن يعوا خطورة هذا النهج التفكيكي المخالف، وأن يقتدوا بقادة دول الخليج الحكماء، ويتخلوا عن طموحات كارثية غير مشروعة لا تتناسب مع طبيعة أبناء المنطقة ولا حال ووضع قطر وأن يتحدثوا عنا باللغة الإنجليزية كما يتحدثون بالعربية، وأن يدركوا أن للصبر حدودا، فالمسألة تجاوزت كل الحدود، وللمملكة العربية السعودية باع طويل متأصل في الصبر والتأني. حفظ الله أبناء الخليج من شرور الناقمين والمتربصين، وأعاد إلينا قطر قطرا معينا على الاستقرار ونشر الطمأنينة في قلوب أبناء الخليج.