انتهى الموسم الرياضي ونال كل فريق نصيبه سواء في حصد البطولات أو المنافسة عليها، أو البقاء في مناطق الدفء، في وقت نجت فرق من فخ الهبوط، لتجد الأندية السعودية نفسها وسط مطالبات جماهيرية بالمحافظة على منجز تحقق أو تحسين وضع وترتيب في الموسم القادم. وكل ذلك يتطلب العمل المبكر من خلال إنهاء الأمور المتعلقة بالفريق من تجديد عقود لاعبين أو إنهاء تعاقدات مع أجانب وأجهزة فنية قادرة على تسيير أمورها بما يحقق الأهداف المستقبلية لكل ناد، ولكن تصطدم بعض تلك المخططات بوجود مديونيات تقف حجر عثرة في طريق الاستعداد المثالي للموسم القادم، ما يتوجب على إدارات الأندية التفكير الجاد فيها، إذ إنها تثقل كاهلها وتقف أمام فشل مخططاتها القادمة. «عكاظ» فتحت هذا الملف المهم ووضعته بين أيادي رؤساء الأندية والخبراء والمهتمين بشأن الرياضة السعودية، لتخرج بحصيلة سيجدها القارئ بين ثنايا ما ذكره أصحاب الاختصاص. يستهل رئيس نادي الخليج بسيهات فوزي الباشا الحديث معترفا بخطورة الوضع، خصوصا وسط قلق أعضاء الشرف والداعمين من الخصخصة القادمة على أنديتنا، التي ستشهد دخول رجال أعمال في المجال الرياضي عبرها، وهذا ما قلل من عطاء الداعمين لإدارات الأندية في الوقت الراهن خوفا من القادم المجهول «هذا الأمر تسبب في زيادة معاناتنا وإضاعة مجهوداتنا في وقت يفترض أن يكون في موضوع الخصخصة وضوح وشفافية تجعل الجميع على دراية بما هو آت». وقسم الباشا الأندية السعودية إلى فئتين من خلال مديونياتها؛ فمنها من وصل سقفها إلى حد ومستوى غير معقول يصعب التعامل معه من خلال الحلول الفردية، والبعض الآخر تندرج مديونياتها في حدود المعقول التي يسهل التعامل معها من خلال الداعمين وأعضاء الشرف وحقوق الأندية من الرعاة والنقل التلفزيوني. وأضاف: «لذا يجب أن تكون خطوات الحلول القادمة لإدارات الأندية واضحة وشفافة لحل هذه المديونيات أو جدولتها بما يتوافق مع إمكاناتها قبل أن يقترب الموسم من بدايته وتجد نفسها تدور في الحلقة نفسها التي ستصعب من مهمة العمل على أسس سليمة وواضحة». غياب المحاسبة وراء المديونيات ويتأسف رئيس نادي الرياض السابق الأمير فيصل بن عبدالعزيز أن يصل حال أنديتنا الرياضية إلى هذا الحد «أصبحنا ننام في مأمن ونصحو على خبر مزعج لأحدها». وأضاف: «هذه المعضلة جعلت غالبية أنديتنا تحت مقصلة الجزاءات المتمثلة في الديون المتراكمة التي بسببها تجد صعوبة في تصريف أمورها، في ظل بحث أشخاص عن منافع شخصية لهم، لتتسبب الإدارات بهذه الأزمة، فمنها انطلقت الشرارة وإليها يعود تحسن هذا العجز وتسديد المديونيات أو على الأقل الحد منها، وهذا ما نأمله في وقت نستبعد حدوث هذا التوازن نتيجة لإصرار إدارات الأندية على جلب لاعبين بمبالغ ضخمة، ما سينعكس على خزائنها بالسلب لتبدأ الشكوى المتكررة من الضائقة المادية نتيجة غياب التخطيط والمحاسبة». ودعا الأمير فيصل الأندية إلى سرعة البت في قضاياها العالقة وإيجاد حلول مرضية ومتوافقة للمرحلة القادمة، لتتمكن بالتالي من البداية الفعلية والاستعداد للموسم القادم دون منغصات تقلل من العمل المبذول. وعرج في حديثه إلى قضية نادي الاتحاد، مطالبا الجميع بالوقوف خلفه في محنته باعتباره من أعمدة الرياضة السعودية، مستبعدا أن تجدي الحلول ما لم يكن هناك تدخل حكومي لحلها، على أن تستوفى المبالغ المصروفة له من حقوقه ومستحقاته القادمة، خصوصا مع الحلول التي وضعتها الهيئة العامة للرياضة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في نادي الاتحاد الذي يملك شعبية جارفة على كل المستويات. واختتم حديثه مطالبا رئيس هيئة الرياضة محمد آل الشيخ بتطبيق مبدأ المحاسبة القانونية القوية لكل رئيس ناد خلال فترة رئاسته وبعد تركها، ليتم فرض الحقوق ومعرفة ما له وما عليه، بدلا من ترك الأمر، الذي جعل الكل يتسابق لاقتسام الكعكة. وزاد: «هذه المرحلة لو طبقت بشكل حاسم فسنمر بندرة في رؤساء الأندية، ولن يكون الباب مفتوحا لكل من هب ودب، فالمحاسبة هي الفيصل في كل أمر بما يتواكب مع رؤية السعودية 2030». أوقفوا السُلف مستقبلا وأرجع رئيس نادي الفيصلي فهد المدلج تراكم المديونيات على الأندية إلى عدم وجود شفافية ووضوح مع الوسط الرياضي، وعدم وجود الموازنة المالية من قبل أشخاص مختصين يديرونها بشكل سليم، وبحسب خطط تراعي المدخولات والنفقات، ما تسبب في هذه الأزمة الخانقة لغالبيتها التي بالتالي مارست الضغط على أعضاء الشرف الذين يبتعد بعضهم لظروف خاصة بهم، ما يزيد ضغوطات الجماهير ومناداتها باستقالة الإدارة التي تذهب وتترك الديون على الكيان. وأكد أن هذه المأساة هي نتاج عمل الاتحاد السعودي لكرة القدم سواء السابق أو الحالي، الذي أسهم في زيادة ديون الأندية من خلال السُلف التي تمنح للبعض على أن تستوفى من الحقوق القادمة من الأندية «الغريب أن هذه السُلف لا تمنح بالتساوي بين الأندية، وكأن الاتحاد يعاقب الإدارات التي قامت بواجباتها في وقت كافأ المقصر بمبلغ تحت الحساب من أجل إتاحة الفرص لهذه الأندية للحاق بفترة التسجيل قبل انتهائها، وهذا المبدأ مرفوض تماما سواء من قبل الاتحاد أو أي طرف آخر». ووجه المدلج في نهاية حديثه رسالة لمدير الإدارة المالية في الاتحاد السعودي عبدالإله مؤمنة بقطع طريق السُلف المستقبلية على الأندية، متمنيا ألا نسمع أن رئيس ناد لجأ إليها، حتى تتصرف الأندية بحسب ميزانياتها بما يسهم في تقليل المديونيات ويبعد بعض الإدارات عن اللامبالاة بالحقوق التي يجب أن تهتم بها من خلال تصفية أكثر المستحقات أو جدولتها بما يضمن الوفاء بها، وعدم إرهاق كاهل أعضاء الشرف حتى يتسنى للأندية البداية الجدية للموسم القادم براحة تامة. تصفية الحقوق المتأخرة «الله يكون بعون رؤساء الأندية»، بهذه العبارة بدأ رئيس نادي القادسية معدي الهاجري حديثه، مؤكدا صعوبة الوضع الحالي وما تتطلبه المرحلة القادمة من تصفية حقوق متأخرة مع البت في الاستعدادات للموسم القادم بما يوازي طموح وأهداف كل ناد. وشدد الهاجري على أن لكل رئيس ناد سياسته التي يديره بها، ولكن تظل مشكلة الدعم المادي هي المقلقة للجميع في ظل الظروف التي تمر على الأندية وإداراتها، وسط مطالبات بحقوق والتزامات مختلفة تحتاج إلى دعم مادي كبير، وهذا ما يتوجب حلها قبل أن يقترب الموسم القادم من بدايته وتجد الأندية نفسها محرجة أمام البداية الفعلية والاستعداد الأمثل الذي يضمن لها تحقيق أهدافها المرجوة. الإنجاز ثمنه باهظ من جانبه، يؤكد رئيس نادي التعاون السابق محمد السراح أن كل رئيس ناد يهمه أن ينهي موسمه بمنجز بحسب طموح كل منها وإمكاناته «عادة ما يكون لهذا الإنجاز ثمنه الباهظ الذي يثقل كاهل الإدارات، وهي المطالبة من الجماهير وأعضاء الشرف بالتعاقد مع أفضل اللاعبين المحليين والأجانب، إضافة إلى أجهزة فنية جيدة، وكل ذلك يتطلب ضخا ماليا كبيرا ما يتسبب في تراكم الديون وفتح ملفات على الإدارات في قادم الأيام، لهذا يفترض على كل إدارة إغلاق الملفات قبل بداية الموسم سواء من خلال الحلول الودية مع من لم ينجح من اللاعبين أو الأجهزة الفنية، ومحاولة تقليص الديون والحقوق المترتبة على ما قامت به الإدارة، التي متى ما فشلت بتقليصها والوفاء بها فإنها تقع تحت طائلة الإنفاق ببذخ، وهذا ما يجعل غالبية أنديتنا تئن تحت وطأة الديون والمستحقات الواجبة الدفع». الواقع مؤلم والقادم أسوأ حمل الناقد الرياضي الدكتور مدني رحيمي المسؤولية للهيئة العامة للرياضة ومكاتبها «هي من أوصلتنا إلى مرحلة صعبة ووضعت الأندية في موقف لا تحسد عليه، بسبب إهمالها وعدم مبالاتها في تفعيل دور الجمعيات العمومية في الأندية التي بقيت صورية، في وقت يفترض أن تكون هي المنظم والمحاسب، لتعرف ما لإدارات الأندية وما عليها، مع مناقشتها حول قيامها بالواجبات المفروضة عليها بما يضمن تحقيق الوعود التي وضعتها تلك الإدارات قبل انتخابها أو تزكيتها، ولكن حينما ترك الحبل على الغارب تفاقمت المشكلات وأصبح الوضع صعبا وخطيرا، لتظهر على السطح أسئلة مهمة: كيف وصلت ديون الأندية إلى هذه المرحلة المتأخرة؟ وأين ذهبت الأموال التي بسببها تراكمت الديون؟ ومن خلال الإجابة الصريحة على هذين السؤالين سيتضح مقدار الفوضى والضبابية التي تدار بها النواحي المادية في أنديتنا، التي يمثل ما تمر به من أزمات خانقة قمة التناقض بين الواقع المؤلم وخطط الهيئة العامة للرياضة وبحثها عن الخصخصة وتطبيقها عام 2018، في وقت لن تباع الأندية الغارقة ومنها الاتحاد إلا بأرخص الأثمان، وكأن كل ما حدث مخطط له». وأشاد رحيمي بإدارة حاتم باعشن «قامت بعملها بصورة رائعة، وأسهمت في حل جزء من مشكلات الاتحاد العالقة والقضايا المنظورة، التي لو بقيت دون حلول لوصل الحال إلى أسوأ مما يتوقع الشارع الرياضي».