أولا يجب أن نبرئ السنة النبوية من الحث على المعالجة بالكي، إذ إن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلن وبكل وضوح أنكم أنتم أعلم بأمور دنياكم وذلك في حادثة توبير النخل (وهذا نص صريح صحيح على الهدي النبوي باتباع أمور الدنيا من زراعة وطب وهندسة وغيرها لتجارب الإنسان ومعرفته بها). أعود إلى استخدام الكي كعلاج هل هو سنة نبوية أم أنه علاج منهي عنه. ورد في صحيح البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم: «وأنهى أمتي عن الكي». إن هذا التوجيه النبوي جاء بعد حديث له عليه السلام نصه التالي: (الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار وأنهى أمتي عن الكي)، وهذا الحديث هو أصح الأحاديث في الكي، أما بقية الأحاديث فهي دون ذلك في الدرجة، فكيف تناول أهل العلم الفهم لهذا الحديث الواضح والحمد لله في بيانه وكما جاء ذلك في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (25/6)، وأكبر ما يمكن أن يستنتج من الفهم للحديث أن الطلب للعلاج لأي مرض إنما تكون بغير الكي أساسا وأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يعالج المسلم بالكي بداية بل إن النبي صل الله عليه وسلم أثنى على الذين لا يكتوون لكمال توكلهم على الله والرسول صلى الله عليه وسلم كقدوة لأمته بكرهه للكي بقوله: ولا أحب أن أكتوي، لأن الكي وسيلة تتصف بالتعذيب بالنار والتعامل الحيواني مع الإنسان. ويبقى السؤال من الناحية الطبية ومدى فائدة الكي في العلاج؟. إن العلاج بالكي تكتنفه أساطير وخرفات ولا يقوم على أساس علمي وليس هناك دراسات وبحوث توضح 100% كم عدد من اكتوى ومن تشافى من المرض ممن ساءت حالتهم أكثر ممن لم يكن للكي أي أثر عليهم في العلاج وماهي الأمراض التي يمكن أن يعالجها وبناء على التوجيه النبوي (أنتم أعلم بأمور دنياكم) فإن المعالجة لجميع الأمراض إنما تكون عبر الطب الحديث وبما توصلت إليه المعرفة البشرية من علاجات للأمراض جراحيا ودوائيا ومناعيا وسلوكيا دون أن يكون الكي أحدا من الخيارات العلاجية، إذن لماذا الناس في مجتمعنا تتهافت إلى العلاج بالكي؟. إن تهافت الناس إلى هذا النوع من المعالجة لا يعود أبدا لما يحققه من نجاح وشفاء أبدا إنما يعود للأسباب التالية: 1- ثقافة المجتمع التي لاتزال ترزح تحت وطأة تقاليد وعادات متوارثة مع انتشار الجانب الحضاري والمدني. 2- إن آثار السكتة الدماغية قوية يفقد الإنسان فيها فجأة يده ولسانه ورجله وحتى تعود تأخذ وقتا طويلا. 3- عدم معرفة الناس أن الكي في المعالجة لا يشمل على الإطلاق معالجة السرطان والضغط والسكر وجميع الأمراض الأخرى التي ليس لها علاقة بآثار السكتة الدماغية فقط. 4- غياب توجيه وزارة الصحة وتوضيح ماهو صح وخطأ في موضوع الكي. 5- حرفية تجار الكي كفرد وكمجموعة للتخطيط بالضحك على الناس عبر مقاطع الفيديو والواتساب ونشرها بين الناس من خلال إظهار بعض من تعالج بالكي على أيديهم. 6- يأس أهل المريض وتعلقهم بأي نوع من العلاج. يلح هنا سؤال وهو بحاجة إلى مزيد من التوضيح ألا وهو لماذا هناك من بعض المرضى -وهم قليل- أنهم وجدوا تحسنا في وضعهم الصحي فهناك من تحسن نطقه وهناك من تحركت يده أو استطاع أن يرفع يده إلى أعلى، لأن المعالج بالكي عادة يرفض أن يعالج صاحب السكتة الدماغية قبل خمسة أيام على الأقل من بدايتها لأنها في طورها الأول تكون شديدة على المريض ولو أن أصحاب المريض تأخروا في نقله للمستشفى وسرعة معالجتهم له فإن آثارها تستحكم على الأعضاء وتعطل أداءها. نعود للإجابة على السؤال لماذا يشعر البعض بالشفاء؟ إن التحسن أو الشعور بالتحسن قد يعود عند البعض إلى مهارة المعالج بالكي وهو أمر نادر الحدوث أو قد يعود إلى زهو الناحية النفسية بعد الكي مباشرة ومدح من حول المريض على حالة التحسن لكنها مؤقتة، أو قد تعود إلى أن المريض يكون في حالة تحسن أو وشك تحسن بسبب العلاج الطبيعي في المستشفى ويجير ذلك للمعالج بالكي وفي حالات عديدة أن المريض بعد الكي تنتكس حالته وتسوء بسبب أن الكي المفاجئ حفز الناحية العصبية لإحداث شيء من النزيف في المخ فمن هنا كان توجيه النبي عليه السلام في كراهية الكي ونهي الأمة عنه إلا بعد طلب الشفاء بطرق أخرى ويكون جواز استخدامه للضرورة القصوى وبعد أن تسد كل السبل العلاجية ومتى ما اتخذ الكي هدفا مرسوما وأوليا للعلاج فإنه يتحول إلى شعوذة طبية يجب على وزارة الصحة محاربتها وعدم الإذن بها حفاظا على صحة الناس ورفعا لسمعة الوطن الحضارية وأداء للأمانة والمسؤولية المناطة بها هذا، والله أعلم وأحكم. [email protected]