خلال مؤتمر الإعلان عن رؤية 2030 في أبريل 2016، سألت ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن مستقبل الطاقة البديلة مع «رؤية 2030»، فأجاب بإسهاب أنه سيتم إنشاء مجمعات ضخمة للطاقة الشمسية لاستغلال توفير المادة الخام «السيليكا». وكمختص في الطاقة، سررت أيما سرور عندما سمعت كلمة «سيليكا» من الأمير لأنه بذلك يعلن عن رؤية 2030 مصاحبة لمستقبل باهر للطاقة البديلة، وذلك عبر تثمين تلك الثروة الصناعية التي كانت مهملة، والآن هي إحدى ركائز القفزة الصناعية المقبلة، ومع طاقة بديلة نملك ثرواتها الطبيعية لا تقل قيمة عن باقي الثروات والتي تقفز قيمتها المادية بعد عملية تحويلها من مادة خام رخيصة الثمن تتمثل في حبيبات رملية زجاجية تحول إلى ألواح سيلكون (ألواح كيميائية) تعمل كالفرن لتخزين الطاقة الشمسية ومن ثم تحويلها إلى حرارة ومن ثم إلى طاقة كهربائية. وبالتالي تصبح السعودية محطة لإنتاج ومن ثم تصدير الطاقة الشمسية، كما أنها ستوفر قدرا كبيرا من الوظائف المباشرة وغير المباشرة، كما ستوفر براميل النفط الذي يُحرق لإنتاج الكهرباء، ويضاف إلى ذلك عنصر مهم للغاية، وهو توطين هذه التقنية وتحويل المملكة إلى بلد مصدر للخبرات في مجال الطاقة الشمسية، مما سيكون له الأثر المباشر على تحقيق بعض أهداف رؤية 2030 نحو التحول الوطني من مستورد للتقنية إلى بلد صناعي ومصدر للتقنية الطاقة النظيفة والمتجددة. ولعلنا سررنا جميعا عندما سمعنا عن البرامج المقبلة للطاقة المتجددة المتوقع أن تصل استثماراتها بحلول عام 2023 إلى 50 مليار دولار لإنتاج 9.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة، وإنتاج 3.45 جيجاوات بحلول 2020، وهذا ضمن برنامج للإصلاح الاقتصادي لاستخدام وسائل غير نفطية لتلبية حاجاتها من الكهرباء لتجنب إرهاق الاستهلاك المحلي للنفط ومشتقاته لتلبية الاستهلاك المحلي المتنامي على الطاقة في المملكة. ولعل هذا الإعلان جاء في وقت يمر فيه قطاع الطاقة في المملكة بمرحلة مهمة وانتقال سلس لأنظمة تسعير أكثر كفاءة مشمولة بتدابير إعادة توزيع ذكية، وتسخير فوائد قطاعات جديدة للنمو، ينبئ بوضوح أن المملكة قد عقدت العزم على الدخول إلى عصر طاقة جديد، وبإستراتيجيات جديدة تتناسب مع المتغيرات العالمية، فكل يوم يمر علينا دون استغلال الطاقة الشمسية نكون قد أحرقنا ملايين البراميل من النفط؛ لأننا تأخرنا كثيرا في إنشاء بنية تحتية لمرافق الطاقة الشمسية في فترة ارتفاع أسعار النفط، ولكن ولله الحمد تقنية الطاقة الشمسية أصبحت أكثر نضجا من ذي قبل، ولذلك فإن الفرصة لم تفتنا بعد، هذه الطاقة سوف نبدأ بها اقتصادا أكثر ربحية من النفط. ولكن إلى الآن لم نعرف آلية وكيفية هذا الاستثمار في الطاقة المتجددة، وماهية الخطة والموارد المالية؟! وكيف سيواجه القطاع الخاص العقبات التنظيمية والبيروقراطية؟! وهل صندوق التنمية الصناعي مستعد لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة؟! وهل هناك قنوات تمويلية أخرى تخفف الضغط على موازنات الدولة وتساهم في نمو القطاع الخاص؟! هل ستتوافر مواقع مناسبة بلا منازعات الملكية؟! لأن محطات الطاقة الشمسية تحتاج إلى مساحات تعادل أضعاف المساحة التي تحتاجها المحطة التي تعمل بالنفط والوقود؟! هل مشاريع الطاقة المتجددة برعاية حكومية ومشاركة من القطاع الخاص؟! هل هناك استثمارات أجنبية للمساهمة في التكنولوجيا؟! هل ستضاف إلى شبكات الكهرباء الحالية التي لديها القدرة على استيعاب قوة إضافية من مصادر الطاقة المتجددة بدون أن تحتاج إلى ترقية للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة؟! وربما نكون قد تخطينا أبرز التحديات وهي تطبيق التسعيرة المناسبة للطاقة المنتجة، في الوقت الحاضر تكلفة الكيلووات للطاقة الكهربائية المنتجة من قبل شركة الكهرباء كسعر للمستخدم النهائي وبعد رفع الدعم الحكومي تدريجيا أصبح مساوياً تقريباً لتكلفة الكيلووات المنتج من الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة خاصة مع تطور التقنية في هذا المجال. ولا يزال القطاع الخاص ينتظر تفاصيل كثيرة وتغييرات تنظيمية مطلوبة (تحديثات) لكي يتمكن من تحقيق دوره المهم في تحقيق وتنفيذ وإنجاح أهداف 2030؛ لأن هناك معوقات تنظيمية كبيرة تحد من قدرة هذا القطاع الانخراط في برامج الطاقة المتجددة، عدم تقدم وتطور استخدمات الطاقة البديلة عندنا هو عدم وجود تنظيمات وتشريعات تقنية تحكم وتحدد الاستخدام لذلك كصناعة منتجة سواء في مجال المقاولات أو التصنيع وحتى مجال الاستخدام وتقنينه على مستوى المدن. وكما نعلم أن رؤية 2030 تنادي وتهيئ بيئة مشجعة للاستثمار على المدى الطويل، عن طريق تحسين بيئة العمل وزيادة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتسهيل تدفق استثمارات القطاع الخاص ورفع مستوى التنافسية، رفع مستوى الخدمات المقدّمة، والتنسيق مع السلطات التشريعية لتعديل الأنظمة ذات العلاقة بتسهيل بيئة العمل ورفع كفاءة إنفاذ العقود، ليتحقق الهدف في إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء، وتعزيز ثقتهم باقتصادنا. ذلك الهدف الجديد لابد أن يشمل القطاعين العام والخاص، للمساعدة في توطين وصناعة وإيجاد ما يلزم من المهارات، لضمان القدرة التنافسية للطاقة المتجددة، والتركيز بشكل رئيسي على الطاقة الشمسية لوفرتها وأيضا لانخفاض تكاليف تكنولوجيا تصنيعها في السنوات الأخيرة، حيث إن تكلفة بناء محطات للطاقة الشمسية آخذة في الانخفاض على الصعيد العالمي، وهنا يجب أن نطرح جذب الاستثمارات الخارجية للطاقة المتجددة، وجذب الشركات الأجنبية لمشاريع قادمة. * مستشار في الطاقة وتسويق النفط، مدير دراسات الطاقة في منظمة أوبك سابقا