قد لا تكون حرية الاختيار في نوعية الطاقة المستخدمة متاحة لغالبية دول العالم؛ لأسباب تقنية؛ اقتصادية؛ ولوجستية؛ غير أن التحول نحو الطاقة البديلة بات خياراً إستراتيجياً لدول متقدمة اعتمدت لفترات طويلة على الوقود الأحفوري لتوليد طاقتها الكهربائية؛ في الوقت الذي ستفرض فيه القضايا المناخية تحولا قسريا نحو الطاقة النظيفة مستقبلاً. تشير دراسات اللجنة الدولية للتغيرات المناخية إلى ضرورة التخلي عن استخدام الطاقة الأحفورية بحلول منتصف القرن الحالي. قد لا يكون الهدف قابلاً للتنفيذ عملياً؛ إلا أنه يشكل خطراً محدقاً بصناعة النفط؛ وتقنيات الطاقة. أصبح التغير المناخي من القضايا العالمية المهمة؛ التي ربما أثرت في مستقبل النفط الأحفوري؛ ما يفرض على الدول المنتجة البدء في وضع خطط إستراتيجية ضامنة لمستقبلها الإقتصادي من جهة؛ وقدرتها على توليد الطاقة البديلة من جهة أخرى. المخاطر البيئية الناجمة عن استخدام المفاعلات النووية في توليد الطاقة الكهربائية حفزت بعض الدول؛ ومنها ألمانيا؛ على تطوير صناعة الطاقة النظيفة ومنها الطاقة الشمسية والرياح. وزير البيئة الألماني أكد على أن بلاده ستغلق آخر مفاعلاتها النووية عام 2022 لتكون أول دولة صناعية تتخلى عن الطاقة الذرية في العالم. هدف إستراتيجي تم ربطه ببرامج وخطط عمل ملزمة لتطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. اليوم؛ تأتي ألمانيا في مقدمة الدول المنتجة للكهرباء من الطاقة النظيفة؛ حيث تمتلك أكثر من 21 محطة شمسية تنتج ما يقرب من 32 جيجاوات أجواءها الباردة؛ وسماءها الملبدة بالغيوم التي ينخفض بسببها معدل سطوع الشمس إلى ما يقرب من 5 ساعات يومياً لم يمنعها من تطوير صناعة الطاقة الشمسية؛ والاعتماد عليها كمصدر بديل للطاقة النظيفة. أصبحت مدينة «فرايبورغ» الألمانية من أوائل المدن المحققة للاكتفاء الذاتي من الطاقة البديلة؛ حيث تقوم بتصدير الفائض من إنتاج الكهرباء للشبكة العامة؛ ما يؤكد نجاعة الاستثمار في الطاقة البديلة. الاستشهاد بالدول المتقدمة لا يخلو من التشكيك بنجاعة نموذجها في حال تطبيقه على الدول الأخرى في دول العالم النامي؛ فتتحول شكوك استحالة التطبيق؛ إلا ذريعة يتمترس خلفها معارضي التغيير والتحول. حققت المغرب نجاحاً مشهوداً في مشروعها الطموح لتوليد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية؛ وتخفيض وارداتها من النفط والغاز. الأمر عينه ينطبق على مصر والأردن و»دبي» التي بدأت في تنفيذ خطة طموحة لتوفير ما نسبته 75 في المائة من احتياجات الكهرباء من الطاقة الشمسية. لم تعد الطاقة الشمسية حكراً على الدول الغنية؛ أو المتقدمة تقنيا؛ بل أصبحت مصدراً للدول الفقيرة التي انتقلت من الظلام الدامس إلى التقنيات الحديثة. ففي إثيوبيا يجري تزويد قرى كثيرة بوحدات للطاقة الشمسية. أصبح مألوفاً رؤية ألواح الطاقة الشمسية فوق بيوت الصفيح المنتشرة في جنوب إفريقيا؛ وبما يصيب المتأمل بالدهشة حينما يربط التقنية المتقدمة بمظاهر الفقر والعوز!!. وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي، أشار في كلمة ألقاها بالعاصمة الألمانية برلين؛ إلى أنه من أشد المؤيدين للطاقة المتجددة وأكثرهم إيمانًا بالدور الحيوي الذي تلعبه الطاقة المتجددة في المستقبل.. إيمان الحكومة أولاً؛ وبالتبعية وزير البترول؛ لم يسهم في دعم استثمارات الطاقة الشمسية محليا؛ ولم يساعد حتى اليوم؛ على وضع برامج ملزمة للحكومة؛ لتحويل حلم الطاقة الشمسية إلى واقع معاش. فإنتاج المملكة من الطاقة الشمسية قريبة من 17 ميجاوات؛ مقارنة بالهدف المحدد سلفا ب5 جيجا وات بنهاية العام 2015.. لم نعد اليوم مقصرين في أهدافنا الملزمة فحسب؛ بل بتنا متراجعين عن دول أقل منا قدرة وإمكانات اقتصادية ووفرة مالية. الوزير النعيمي أشار أيضاً في خطابه إلى أن المملكة تسعى لاستقطاب خبرات من الدول المتقدمة في مجال الطاقة الشمسية وعقد شراكات مفيدة معهم للاستثمار وخلق صناعة كبيرة وحيوية من ورائه. برغم أهمية الشراكات العالمية؛ والاستثمارات الأجنبية ونقل التقنية؛ إلا أن المملكة تمتلك من خبرات صناعة الطاقة الشمسية الكثير. إنتاج الطاقة الشمسية في المغرب؛ دبي؛جنوب إفريقيا؛ مصر والأردن يتم حالياً من خلال شركة سعودية متخصصة يمتلك صندوق الاستثمارات العامة حصة مؤثرة فيها. شركة «أكواباور» هي الشركة المنفذة والمطورة والمشغلة لمشروعات الطاقة الشمسية في تلك الدول. وهي الشركة التي نجحت في خفض تكلفة إنتاج الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية ليصل إلى مستويات متدنية تقل بكثير عن توقعات الدراسات المتخصصة التي أجريت في المملكة. تمتلك السعودية الكفاءة والقدرة المالية والتقنية؛ وهي بحاجة فقط إلى إيمان الحكومة بأهمية تطوير قطاع الطاقة الشمسية؛ وإعطائه الأولوية؛ وحمايته وتحصينه بالتشريعات وهذا لا يمكن تحقيقة إلا مع وجود وكالة متخصصة للطاقة؛ تسهم في احتضان قطاعات الطاقة بحيادية وتساعد في تطويرها وفق منظومة تنافسية عادلة؛ وبيئة تدعم الإبداع والتطوير والابتكار؛ وقبل كل هذا تحقيق المصلحة الوطنية. من المؤلم مشاهدة الشركات السعودية منهمكة في تطوير قطاع الطاقة الشمسية في دول مختلفة في الوقت الذي نعاني فيه من بطء وعرقلة محلية لاستثمارات الطاقة. قطاع الطاقة الشمسية يمكن أن يولد لنا فرصاً استثمارية متنوعة في الصناعة؛ خلافا لما يحققه من أمن الطاقة؛ وسلامة البيئة؛ وخفض الاستهلاك المحلي للنفط؛ وتنويع مصادر الدخل من خلال تصدير الطاقة مستقبلاً. ما زلت أعتقد أن مشروعات الطاقة الشمسية؛ وكل ما يقال عنها؛ بعيداً عن مخرجات الخطط الإستراتيجية لا تقارن البتة بالإمكانات المتاحة؛ ومقومات النجاح؛ وهي أقل من أن تقارن بمخرجات دول فقيرة نجحت في خططها بمساعدة سعودية صرفة.. لا نريد أن نصبح ك «النخلة العوجاء» التي تثمر في غير أرضها؛ بل نريد أن تثمر نخيلنا في أراضينا؛ ولا مانع من تصدير بعض خيراتنا إلى لخارج.