حين سئلتُ كيف أقضي يوما عادياً تبددتْ قدرتي على التكهن بمحتويات جدولي الذي كنت أظن أني محكمة السيطرة عليه، فإذا كنتُ أدّعي أني أملك قراري فاليوم لي وساعاته مساحاتي الحميمة للتمدد عبر نوافذ الأمل العظيم، لكنها كانت فكرة تميل إلى الصواب والتصديق حتى أحد تلك الأيام «العادية» الذي صحوتُ فيه متسامحة مع جميع الأفكار، واتجهتُ صوب الميزان - القطعة الأكثر وحشية بالبيت والأكثر خشية، زيادة كيلو ونص بعد قطعتين من الدونات تناولتها بلذة البارحة بعد انقطاع سنوات، عند مروري بها قاصدة معرض النظارت لاستلام نظارتي التي أثبتت البحوث أنها لتعويض تفاوت القرب والبعد في القراءة.. رغم أن هذه المسافات في البعد والقرب من قلبي لا يعوضها شخص انتقل من مستوى إلى دونه.. الذريعة: استلام النظارة، الفعل: تناول الدونات – المسوّغ: بعد انقطاع سنوات! تخيّل كم من ذريعة غير أصلية لفعل أصلي تقوم به يومياً! كم من الأوهام الصغيرة موزعة هنا وهناك على خارطة روحك تصدقها وتعمل على الإيفاء بتبعاتها، حتى انكشاف لحظة تساوي العمر بأكمله تنبئك أن ما ترعاه وتسقيه يومياً إنما هو نبتة بلاستيكية، فلا تهدر عطاءك ووقتك والماء واركن إلى الترشيد العاطفي.. ما علينا، نزلتُ من فوق الميزان ومئة ألف لعبة نارية تتفرقع في وجهي.. بين تأنيب ضمير، وفرحة قصيرة، ووعد بإيقاف العبث بالصحة والمال، وكذبة سأتلوها على صديقاتي اللاتي أمثل عليهن أني أفضل من مقدمة برنامج التفاح الأخضر فيما يتعلق بالتغذية والصحة والحب.. غادرتُ متأخرة عن موعدي الذي لم يكن مطلقاً ثابتاً، فإما متقدماً أو متأخراً بدقائق، فوجئتُ أن استقصاءاتي الجوية من فتحة الشباك لم تفلح بمعلومات موثقة، وخانني الطقس وديسمبر والفصول الأربعة، ديسمبر.. الشهر الذي كان الحطب و«أبوفروة»* علامتيه الأبرز، ويديّ أمي الدافئتين بعبق محفور في الذاكرة بماء الذهب.. فما الذي بقي، شتاء خائن مضطرب يشجع نفسياتنا التي اعتدنا سابقاً على وصفها بالصحراوية، لكنها على الأقل كانت تعرف صيفاً حقيقياً واحداً وشتاءً حقيقياً واحداً، لاحظوا كوني أفكر بالأمر مصطحبة ذاكرتي وما تبقى من وجداني، فلن أتقبل الحديث عن الانحباس الحراري وثقب الأوزون ومؤتمرات المناخ التي تثير الذعر ليس إلا.. بينما كنت أجلس في المقعد الخلفي أرسم وجوهاً في ضباب يطير أمامي وأهيم بأحلامي، صرخ السائق ليوقظني على أن السيارة تبعث دخاناً كثيفاً يتكرر منذ يومين والخير لها أن تُحمل للصيانة.. بين غضبه من تقريعي وغضبي على أجيال أسرى تغيرات المناخ، ليس بيدي إلا الاستعانة بسيارة أجرة عبر التطبيق المبتكر «كريم».. لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النهار.. وهكذا يُشرع يومك وينغلق على الكثير من الأفكار والقلق والأسئلة التي لا تنتهي، فعندما تثور أعصابك وتتعاير درجات الانفعال حسب التعود لا حسب المبدأ، فأنت على هذا النحو أسير نفسك والظروف، في حين أنك بقليل من التقبل والتكيّف ستعرف أنك شخص عادي تقع لك أشياء عادية مثل بقية البشر، لا يجب أن تثير سخطك لظنك أنك مستثنى من تمرد الروتين.. ما هي مواصفات اليوم العادي في رأيك؟ أن يكون خالياً من المنغصات؟ لا.. اخلق المنغصات وتعامل معها فهكذا تأتي المتعة في الحياة.. والغلبة عليها أيضاً.. *روائية سعودية