حدود فهم دونالد ترمب للأزمة السورية تتوقف عند مواجهة تنظيم داعش، بمعنى أن التصور الأمريكي الجديد ينحصر في البعد الأمني للأزمة. وبما أن ترمب وعد في حملته الانتخابية التخلص من تنظيم داعش فهذا يعني أن هذه الزاوية الأمريكية الجديدة للتعامل مع الأزمة السورية.. (داعش). صحيح أن تصريحات ترمب الأولية لا تبشر بالخير لصالح المعارضة السورية، خصوصا بقوله «إنه لن ينظر إلى مطالبها بالتسليح»، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بالقول إن معالجة الأزمة تكون بالتعاون مع نظام بشار أو روسيا. لكن في الوقت ذاته علينا أن نأخذ في عين الاعتبار أن تجربة ترمب مع روسيا والنظام السوري صفر، ومن هنا يمكن القول إن تصريحات ترمب لا ترتكز على تجربة عميقة في التعامل مع روسيا والأسد، وإنما يرى في الأسد فقط أداة للحرب ضد داعش. إن طبيعة التفكير السياسي الأمريكي لا تتسق على الإطلاق مع طريقة التفكير الروسي، ولن تقبل أية إدارة أمريكية مهما كانت سواء جمهورية أو ديموقراطية بمذبحة مفتوحة في سورية، ذلك أن تراكمات القيم الديموقراطية الأمريكية ضاربة في عمق السياسة الخارجية، وإذا كان الفريق الرئاسي الجديد يرتكز في كثير من جوانبه على شخصيات من تيار المحافظين الجدد، فلعلنا نتذكر أن المحافظين كانوا يرون في إسقاط النظام السوري الخطوة التالية بعد إسقاط نظام صدام. مشكلة الإدارة الأمريكية السابقة ليس عدم الوضوح أو التردد كما يعتقد الكثيرون، وإنما اعتماد إستراتيجية حصر الصراع داخل الأراضي السورية، ولعل الوجود الأمريكي الاستخباراتي في كل مكان من سورية الذي تطور لاحقا إلى تواجد عسكري في المناطق الكردية، يكشف إمكانية التدخل الأمريكي لكن على مقاس المصالح الأمريكية وليست السورية. وقد نقلت شخصيات معارضة رفيعة في أكثر من مرة خلال لقاءات متعددة مع مسؤولين أمريكيين أن الإدارة الحالية لا تولي الأزمة السورية ما تستحقه من اهتمام، حتى أن وزير الخارجية الأمريكي كيري قال لوفد من المعارضة في أحد اللقاءات، إن مشكلة أمريكا مع (داعش العراق)، أما (داعش سورية) فهي مسألة تعني النظام والمعارضة. أمام هذه المواقف الرخوة المهملة لأحد أبرز الصراعات العالمية اليوم، يأتي رئيس جديد يتسم بالوضوح سلبا أم إيجابا، وبالتالي هذا الوضوح يُمكن المعارضة على الأقل من بناء سياسة جديدة يمكن أن تقترب من التفكير الأمريكي الجديد، على عكس خداع أوباما الذي قال أكثر من 20 مرة على الأسد أن يرحل اليوم، وفي كل مرة يرد الأسد بمجزرة إلى أن تبين أن الفعل الأمريكي في سورية صفر بفعل إهمال أوباما لهذا الملف وانشغاله في إدارة الفوضى في المنطقة. وإذا بدأ فريق ترمب العمل مع بوتين والأسد من الناحية الأمنية، سيكتشف عاجلا أم آجلا أن الأزمة السورية ليست أزمة داعش والنصرة فحسب، بل على رأس هذين التنظيمين نظام قاتل بدعم روسي.. حينها سيكون ترمب أمام لحظة يتطلب فيها الحسم لصراع لم يعد يُطاق في سورية.