عثرات اللسان أكثر ما تقع في حالين: حال الحديث في السياسة، وحال المزاح وادعاء الظرف، وكلا الحالين فيهما من خطر العثرات ما فيهما، إلا أن المرء قد يتمكن من لجم لسانه عن الخوض في حديث السياسة، ولا يتمكن من لجمه عن المزاح، خاصة متى ما (حبكت) معه الطرفة، فإنها سرعان ما تنزلق على لسانه قبل أن يتمكن من إيقافها. عثرات اللسان كثيرة، بعضها عواقبه خطيرة، قد يبلغ خطرها أن يفقد المرء حياته بسبب عثرة لسانه بشهادة الشاعر القديم: يموت الفتى من عثرة بلسانه،،، وليس يموت المرء من عثرة الرجل فعثرته من فيه ترمي برأسه،،، وعثرته بالرجل تبرا على مهل وهذا الشاعر ليس هو الوحيد الذي يحذر من عثرات اللسان، فالتحذير من تلك العثرات يملأ كتب التراث العربي، حيث يصور اللسان عدو صاحبه، ومنذ كنا صغارا في المدرسة الابتدائية ونحن نلقن الحذر من فلتات اللسان، فلقنت لنا عبارات مثل (لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن خنته خانك)، (البلاء موكل بالمنطق)، (رب كلمة قالت لصاحبها دعني)، (مقتل الرجل بين فكيه) وغيرها من العبارات التي كانت تثير في قلوبنا الرعب من الكلام خوفا من أن نسقط بعثرة لسان. في تلك السن الساذجة، كنا نحفظ تلك التعبيرات على ظاهرها، نلتقط منها الخلاصة التي كنا نظن أنها تعني التحذير من الكلام على إطلاقه في كل المواضيع، فترك ذلك أثرا باديا على كثيرين منا، صرنا نميل إلى الصمت، ونعاني من العجز عن التعبير الجيد عما في أنفسنا، بعد أن رسخت في أعماقنا عبارة: إن للسان عثرات وإن الحصيف هو من يستطيع تفادي عثرة لسانه. بعد أن كبرنا وتجاوزنا سن السذاجة، أخذنا ندرك أن عثرة اللسان كعثرة القدم، وكما أن لا أحد منا يضمن لنفسه أن قدمه لن تخونه يوما وتعثر به، فإنه كذلك لا يضمن أن لا يخونه لسانه فيزل به. قد يظن الناس أن الإنسان بإمكانه تفادي عثرة اللسان، ولكن في الواقع ليس الأمر كذلك، فالإنسان لا يملك تفادي عثرة لسانه، هي تحدث بلا إرادة منه، تماما كما تحدث عثرة القدم ولا فرق، ولولا ذاك ما سميت عثرة، فالإنسان مهما كان عاقلا متزنا رزينا، هو معرض في بعض الأحيان لأن تنزلق الكلمات فوق لسانه بسرعة تسبق قدرة عقله على إيقافها ومنع مرورها. وقد أدرك هذا ابن القيم رحمه الله حين قال: «إن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه!!» إلا أن الناس دأبوا على لوم من يزل لسانه فيعثر به، هم يعذرون من تزل به القدم، ولا يعذرون من يزل به اللسان، ربما لأنهم يرون الإنسان قادرا على التحكم في منطقه ولا يرونه قادرا على التحكم في خطوة قدمه، وفي هذا ظلم كبير!.