هذه القراءات النقدية الشذرية تحاور نصوصاً سردية قصيرة جداً، ومكتنزة بدلالاتها واختزالاتها للمخيلة، النقدي في حوارٍ تفاعلي وحار ومباشر معها، مثلها تماماً لا يمضي في التفاصيل والاستطرادات والإحالات اللغوية بل يقبض على الجوهري والرمزي والرؤيوي في سطورها القليلة، ويوازيها في شذراتٍ ورؤى مقطرة كقولٍ على قول، وكرؤية مستنسخة من رؤية، كأنها تعيد ما أُبدع في ما يمكن أن يبدع في حقل الدلالة والتلقي الحميمي. هي ممارسة ربما غير مسبوقة كما أزعم. أو تمرين نقدي في تلقي التحولات التي ارتكبها النص السردي الجديد في اختزالاته الباهرة في الشريط اللغوي، وسياقه الحدثي. وهي هنا تجربة مغايرة في الممارسة النقدية، فأن يحمل النص النقدي في أحشائه نصوصه الإبداعية السردية المنقودة كاملةً، ويمتص منها طاقته التحليلية والتأويلية، ويتم في الحال تشكيل الرؤية المشتركة في تقاطعاتها وتجاذباتها، فمعنى ذلك أن اشتباكاً حميمياً راعفاً يسري في نسغ الممارستين معاً، الإبداعية والنقدية الملتحمة معها.. وأن رؤى جمعية انبثقت وتخلّقت من حقلي الدلالة المبدعة والتأويل النقدي. فلنكتشف معاً نبض هاته الرؤى المتعددة ما باحت به بين سطورها القليلة، وما لم تبُح به فأنطقها النص النقدي بين سطوره وشذراته.. واستقى منها صبابة هذا العناق الحميمي. رأى قفز من الدور الخامس عشر؛ فرأى زرقة السماء تلتحم بالبحر الواسع، والحديقة، وسمع أصوات الباعة والسيارات. تمنى.. جبير المليحان القراءة: هذا نوع من النصوص الذي يتيح للمتلقي ان يكمل النص ويفعّل المتخيلة لديه.... في اللحظة التي اقترب فيها من الموت سمع أصوات الباعة والسيارات فهل تمنى لو كان طائراً ولو التحم هو ذاته بزرقة السماء ومن تحته البحر واسعاً؟ ....... رأى... وتمنى والكلمتان دالتان تعطيان للنص بعده الفني. بين رأى.... وتمنى يحضر الواقع ماثلاً في مأساويته و... تمنى يمثل المتخيل الذي يدخل لعبته متلقي النص. ..... قصة صغيرة فعلاً كما يسميها جبير، لكنها مكتنزة بالتأويلات.. والإحالات. نص قصصي علموه الصمت في حضرة الكبير، خرج للحياة وهو يرى القوم حوله كبارا، وكلما حاول أن يعبر تذكر واجب الاحترام الذي تحول إلى مهابة، فخوف لا يقوى عليه. حسن النعمي القراءة: إنه خوف كبير مؤنسن.. بمعنى الخوف هنا خرج من كونه حالة شعورية طفولية مؤقتة فتحول إلى كائن من مهابة يمشي على قدمين مكمم للأفواه ومستسلم له فاقد لاحترامه البكر. هذا النص القصصي كأني به يؤول إلى نقد بنية الخوف والبطركية/الأبوية التي يعاني منها بطل النص في معاشه ومصيره في آن. النص يختزن إشكالية مزمنة ويفجرها دفعةً واحدة بلغة واضحة وبسيطة. لم تكن صورة ما عاد (دواس) معتوهاً حين بصق على تلك الصورة. دخل وأُخرج محمولا على الأكتاف ؛ ليُلقى في جوف حفرة تحضن شاخصاً مكتوباً عليه (على المجنون حرج). محمد البشير القراءة: العته والجنون يجتمعان معاً في حفرة واحدة يتقاسمان موتاً واحداً ولا عزاء لكليهما لأنهما ربما بصقا على نفس الصورة والصورة تؤول بلا شك إلى شخصية مهمة ذات سطوة التهمتان في حد ذاتهما تستحقان القتل والجمع معاً في قبرٍ واحد من يدفعنا إلى تهمتي العته والجنون.... ابحث في نص محمد البشير مرةً ثانية. * ناقد سعودي