فارق الحكمة واضح بين ثقافة بنيت على ركائز الأمن والأمان وعلى مفهوم التوكل بأبعاده الدينية والاجتماعية, وبين أخرى هشة سرعان ما تكشف عن عورتها في مواضع اختبار الصلابة والروية.. في تاريخ لم يطله النسيان بعد، هرع الإسبان لإيقاف مباراة للفريق الملكي ريال مدريد مع ضيفه ريال سوسيداد على ملعب سانتياغو برنابيو الشهير في العاصمة مدريد قبل سبع دقائق فقط من صافرة النهاية بعد بلاغ عن وجود قنبلة بالملعب، تم إجلاء 70 ألف متفرج وسط إجراءات لا مثيل لها وحالة من الرعب والفزع اجتاحت الحضور الكبير وكادت أن تؤدي إلى كارثة إنسانية، لتكتشف الأجهزة الأمنية بعد التفتيش الدقيق أن بلاغ منظمة إيتا الانفصالية الذي تلقته عبر صحيفة «جارا» بإقليم الباسك كان كاذبا ومضللا. يومها يتذكر الناس كيف خرج نجوم الريال رونالدو وبيكام وفيجو وروبرتو كارلوس ركضا من الملعب بعد أن أحاطت الشرطة بهم بشكل مفاجئ بدون إبداء أي تفسير لما يحدث. بينما كان الآخرون يغادرون مدرجات البرنابيو وهم في حالة يرثى لها. لم يتحدث مسؤول عن الدوافع كما لم يكن أحد يعلم بما يجري، فقط كان على الجميع أن يهربوا للخارج. هنا في المملكة وتحديدا إستاد الملك عبدالله الدولي بجدة سبق لقاء المنتخبين السعودي وضيفه الإماراتي الأخير في التصفيات النهائية المؤهلة للمونديال الروسي بلاغ عن مجموعة إرهابية ضالة خططت لتفجير جوهرة الملاعب بسيارة مفخخة، لم يكن بلاغا كاذبا بل عمل إجرامي حقيقي رتب له بخبث ودموية إلا أن السلطات الأمنية السعودية ظلت كما هي يقظة وحاضرة، وبتوجيهات من القيادة الرشيدة جاءت التعليمات بشل حركة المجموعة وإفشال المخطط وإبقاء الأمر في طي الكتمان. ويومها نتذكر كيف أقيمت المباراة في وجود أكثر من 60 ألف متفرج. استمتعوا بمواجهة غاية في الإثارة والجمال، غادروا بعدها وهم يجترون تفاصيل المواجهة التي شاهدوها للتو. وعلى عشب الملعب كانت الصورة هي الأخرى أجمل, اللاعبون تبادلوا القمصان والابتسامات وربما الذكريات, وغادر العابد وهو يتأبط ذراع صديقه القديم عموري دون أن يدري أحد أن كارثة كان من الممكن أن تحل لولا يقظة الأمن السعودي. وقبل ذلك لولا حكمة وروية وحسم قيادته. وهنا يكمن الفرق بين هنا وهناك.