في الوقت الذي توصف (الصحوة) بأنها خطاب مؤثر وصفت أيضا بأنها ظرف ثقافي طارئ، وبين الخطاب والظرف مسافات من العمل والقدرة على التأثير في الجماهير، فالعقل الجمعي لدينا هو عقل متدين ومنحاز فجاء الخطاب الصحوي باتجاه بنية جاهزة للتفاعل.. «عكاظ» تواصل كشف ملامح وتاريخ الصحوة في مجتمعنا في كافة جهاته العريضة.. يقول الدكتور مشاري بن عبدالرحمن النعيم إن الخطاب الديني الصحوي يجمع بين البناء العقدي التقليدي السعودي والحركة السياسية الإخوانية، ويضم هذا التيار عناصر حزبية ناشطة على الأرجح ومناصرين ومتعاطفين مع فكر حركة الإخوان المسلمين العالمية، ويضيف «لقد اعتبر أحد الحداثيين السعوديين أن تيار الصحوة السياسية لم يصادم المؤسسات الدينية الرسمية في السعودية، لكنه اخترقها، واستخدم إمكاناتها في نشر فكره السياسي، واستطاع صنع نجوم في مجالات عملها، وخطف جمهورها من الشباب، الذي انطلق من عقاله في أعقاب حرب الخليج الثانية (1990-1991م) وبنى كثيرا من شعبيته الواسعة عن طريق توجيه انتقادات لاذعة، تصريحا أو تلميحا، لبعض جوانب البناء المؤسسي وبعض سياسات وممارسات المؤسسات العامة، باعتبارها متناقضة مع أو مخالفة لجوهر الدولة الإسلامية وكذلك في مفهوم الولاء والبراء».. ويضيف الدكتور النعيم في كتابه اتجاهات النخب السعودية: دشن الصحويون ظهورهم على الساحة السياسية الوطنية بإصدار أول بيانين سياسيين نقديين موجهين للحكومة حمل أولهما «كتاب المطالب»1991 الذي حمل توقيع اثنتين وخمسين شخصية دينية ينتمي معظمها إلى التيار الصحوي، وجاء البيان لتطويق الأصداء الواسعة لتظاهرة نسائية قادت فيها عدد من النساء سياراتهن بصورة علنية بالرياض آنذاك وهو ما اعتبره كثير من الإسلاميين والمحافظين بادرة تحول اجتماعي ينذر بالخطر.. إضافة إلى مذكرة الصيحة المعروفة.. ويضيف النعيم: كان صعود وتنامي شعبية الصحوة الإسلامية أحد مظاهر انحسار التنوير الغض وهو أمر زاد من حدة الاستقطاب الديني والثقافي في المملكة مستشهدا برأي لحمزة المزيني عندما قال «انحسر التنوير مثلما اختفت البسمة من عسير». ويؤكد مشاري النعيم على أن التيار السروري اكتسب حضورا جماهيريا في أوساط الشباب والمثقفين في المملكة خصوصا، باعتباره أحد أكبر أطياف الصحوة ويعتبر التيار نفسه سلفيا غير أنه يجمع بين النظام العقدي السلفي التقليدي والحركية المعاصرة، وانشق هذا التيار عن الإخوان المسلمين في منطقة الخليج العربي وغدا التنافس سمة العلاقة بين الطرفين الإخواني والسروري. يذكر أن مقولة الصحوة طبخت في نجد وأثمرت في الجنوب مقولة تبدو واضحة من خلال الحراك الصحوي الذي صنعته الصحوة بخطابها وبرموزها في مختلف مناطق المملكة، غير أن الصوت كان عاليا في جنوب البلاد.. وسنواصل في مادة قادمة طرح هذا المحور المهم عن الخطاب الصحوي..