وضع خبراء عسكريون تصوراً استراتيجياً لحرب متوقعة على إيران، في حال قررت إسرائيل تبني الخيار العسكري لضرب منشآت طهران النووية، ورأى الخبراء حتمية مشاركة 100 طائرة هجومية في المعركة، ودخول الأراضي الإيرانية عبر 3 مسارات أفضلها مسار الوسط عبر الأردن والعراق، وتفادي المسارين السعودي والتركي. ففي وقت تحاول الإدارة الأميركية إقناع تل ابيب بالتخلي عن خيار التعامل العسكري مع الملف النووي الايراني، ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حديث مع وكالة CNN الإخبارية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "مناحم بيغن" لم يحصل على إذن من واشنطن عندما قصف المفاعل النووي العراقي العام 1981، وعزت دوائر أميركية تصريحات نتنياهو إلى عزم أجهزته العسكرية ضرب المنشآت النووية الإيرانية من دون التشاور على أقل تقدير مع الإدارة الأميركية. الدوائر الأميركية، بحسب تقرير نشرته صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، تجاوزت إشكالية، هل ستُقدم إسرائيل على قصف البرنامج النووي الإيراني؟، إلى إشكالية أخرى وهي الشكل الذي ستدار بموجبه رحى المعارك، ففي حين تتحدث تل أبيب عن تجاربها السابقة في قصف المفاعل النووي العراقي أو نظيره السوري في منطقة دير الزور، تشير تقارير تقدير الموقف الأميركية إلى أن الوضع بالنسبة إلى منشآت إيران النووية يختلف جملة وتفصيلاً، إذ ستكون العملية في ايران أكثر اختلافاً وأكثر تعقيداً. وفي محاولة لتصور سيناريو الحرب المتوقعة ومسارها، استنطقت شبكة CNN عدداً من الخبراء الأميركيين والبريطانيين للوقوف على ما هو أقرب للواقع المنظور في تلك الإشكالية. أكثر العمليات العسكرية تعقيداً يشير الخبراء إلى أن عملية قصف المنشآت النووية الإيرانية ستكون أكثر تعقيداً من العمليات العسكرية، التي قصفت إسرائيل خلالها المفاعل النووي العراقي العام 1981ونظيره السوري في منطقة دير الزور، إذ من اللازم أن تشارك ما لا يقل عن 100 طائرة في الحرب الوشيكة، بداية من الطائرات المقاتلة وحتى طائرات الإمداد بالوقود، حيث ستضطر تلك الطائرات للتحليق مئات الكيلومترات لقصف ثمانية أهداف في مختلف الأراضي الإيرانية، وذلك على عكس ما حدث في العراق وسوريا، حيث كان سلاح الجو الإسرائيلي قصف هدفاً منعزلاً، أما المنشآت النووية الإيرانية فتنتشر على مساحات شاسعة ومتفرقة من الاراضي الإيرانية، كما تقوم قوات الدفاع الجوي الإيرانية بالدفاع عنها، خاصة مفاعل بوردو المتاخم لمدينة قُم، فسيكون من الصعب جداً المساس بهذا المفاعل على وجه التحديد، بحسب تقديرات خبراء الولاياتالمتحدة. "إفرايم كان"، نائب رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، رأى من جانبه أن قصف منشآت ايران النووية سيكون معقداً للغاية، وعلى حد قوله ستكون العمليات العسكرية على نطاق واسع جداً، ومن اللازم أن تعتمد على طرازات معينة من الطائرات الهجومية، وفي مقدمتها F 15، و F16، وليس على صواريخ يتم إطلاقها من الغواصات، كما أنه ينبغي استخدام آليات قتالية بالغة الدقة، لإلحاق الخسائر والأضرار بالمنشآت النووية الإيرانية، وأعرب "كان" عن تقديراته بأن الاعتماد على الصواريخ لن يكون كافياً في دقة إصابة الهدف. ووفقاً لمعلومات نشرتها مجلة "جينس" الأمنية، تمتلك إسرائيل سرباً واحداً من طائرات F15 التي تطلق عليه "رعام"، ويبلغ عدد طائرات هذا السرب 25 طائرة، بالإضافة الى أربعة أسراب من طراز F16، التي تطلق عليها اسرائيل "سوفا". وبسبب بعد المسافة واتساع ساحة القتال، سيضطر سلاح الجو الإسرائيلي إلى استخدام جميع طائراته الخاصة بإمداد الوقود. 4 طائرات من طراز "هيركولس" اما "دجلاس باري"، أحد الخبراء البارزين في معهد الأبحاث الإستراتيجية في لندن، فيؤكد أن الجيش الاسرائيلي يمتلك سبع حاويات وقود من طراز KC- 707، وبوينغ 707 بعد إجراء التعديلات عليها، كما تمتلك إسرائيل أربع طائرات من طراز "هيركولس" المعدلة (KC-130H)، غير أنه يبدو على حد تقديرات باري، أن اسرائيل لن تستخدم هذا النوع من الطائرات في حال قصف منشآت ايران النووية بسبب سرعته البطيئة. وأعرب الخبير الامني البريطاني عن تقديره بأن الطائرات الاسرائيلية المقاتلة ستحمل على متنها خلال الحرب المرتقبة قنابل مخترقة للحصون من طراز GBU-28، وتزن القنبلة الواحدة 2.200 كيلو غرام، ويخصص هذا النوع من القنابل لتدمير الاهداف الحصينة تحت سطح الارض، وتستطيع كل طائرة من طراز F-15 حمل ثلاث قنابل من هذا النوع، غير أن الجيش الاميركي يمتلك قنابل معدلة عن النوع الذي تمتلكه اسرائيل وهي من طراز GBU- 57 وتزن القنبلة الاميركية الواحدة من هذا الطراز 13.600 كيلو غرام، غير أنه لا توجد معلومات حول ما اذا كانت اسرائيل حصلت من الولاياتالمتحدة على هذا النوع من القنابل. ويشير الخبير البريطاني الى أن اسرائيل لا تمتلك ايضاً قاذفات من طراز B-2 او B52، وهي القاذفات التي تستطيع حمل القنابل الاميركية من طراز GBU- 57، جاء ذلك في وقت يميل فيه عدد من الخبراء الى أنه اذا قررت اسرائيل ضرب منشآت ايران النووية، فإنها لن تعتمد على مساعدات اميركية. اما "إميلي تشورالي"، الخبيرة الأمنية في مجلة "جينس"، فتقول إن امام اسرائيل أربعة اهداف أساسية في الهجوم على إيران، أولها منشآت التخصيب في ناتنز وبوردو، ومنشأة تحويل اليورانيوم في اصفهان، والمنشأة النووية في أراك، وتقول تشورالي: "إن المنشأتان النوويتان في اصفهان واراك توجدان على سطح الارض، ومن الممكن نسبياً إصابتهما عن طريق القصف الجوي، وفي المقابل يوجد مفاعل ناتنز تحت سطح الأرض، الامر الذي يزيد جداً من صعوبة قصفه، وكذلك الحال يزيد بالنسبة إلى مفاعل بوردو المتاخم لمدينة قُم، خاصة أنه يوجد في باطن الجبل". تدمير منشأة "بردو" يقود إلى نتائج عكسية وتشير الخبيرة البريطانية إلى أن قصف منشأة بوردو النووية قد يقود الى نتائج عكسية، خاصة أن تدمير المدخل المؤدي إليها من دون تدمير المنشأة عينها سيجعلها أكثر حصانة عند أي قصف جديد، وأضافت: "لست على ثقة بأن اسرائيل ستتمكن من تدمير منشأة بوردو عبر قصفها جواً، كما أن الوصول الى ناتنز وأراك من دون تدمير مفاعل بوردو لا يستدعي هذه المخاطرة". وأوضح خبير الدفاع الجوي الاميركي"جيم اوهلوران"، وهو كاتب في المجلة البريطانية، أنه تم نقل العديد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة إلى منشأة بوردو النووية، المتاخمة للمدينة الشيعية المقدسة قُم، وتعكف على الدفاع عن تلك المنشأة منظومات صاروخية مضادة للطائرات من طراز S-200، و"هوك". وعودة إلى الخبيرة البريطانية "إميلي تشورالي"، التي اعربت عن شكوكها في تحديد المواقع النووية الإيرانية بأربعة مواقع فقط، وقالت إن أمام إسرائيل هدفين آخرين في حال تبني الخيار العسكري ضد طهران، وهذان الهدفان هما قواعد "تبريز" العسكرية، و"الامام علي" التابعة لسلاح الجو الايراني، فقصف هذين الهدفين يحول دون أي رد ايراني، بالاضافة الى ذلك ينبغي على الجيش الاسرائيلي محاولة قصف قاعدة "برتشين" العسكرية المتاخمة لطهران، خاصة بعد أن جرى الحديث عنها بشكل مكثف في وسائل الاعلام خلال الشهر الماضي فقط، كما منعت ايران مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول الى تلك القاعدة، واتضح بعد ذلك أن طهران أجرت في "برتشين" تجربة نووية. الى ذلك أوصت الخبيرة البريطانية اسرائيل بقصف قاعدة "بجدنا"، التي وقع فيها انفجار عنيف في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ويرتفع بذلك عدد الاهداف التي يجب على اسرائيل العمل عليها لنجاح مهمتها المتوقعة في ايران الى ثمانية أهداف، وعلى حد تقدير تشورالي: "لن تحاول اسرائيل قصف المفاعل النووي الايراني المدني الوحيد في بوشهر، خاصة أن المساس به سيؤدي الى تلوث نووي، ويُفضي الى الاضرار بالروس، الذين بنوا تلك المنشأة، الأمر الذي ينعكس سلباً على العلاقات الروسية – الإسرائيلية". 3 مسارات للهجوم على إيران أفضلها الأوسط وحول كيفية وصول إسرائيل إلى إيران، رأت مجلة جينس البريطانية أن هناك ثلاثة مسارات هجومية لوصول المقاتلات الاسرائيلية الى ايران، الاول شمالي ويمر بالأراضي التركية، وجنوبي عبر الاراضي السعودية، ووسط (اقصر المسارات) عبر الأراضي العراقية والأردنية، الا أن أياً من هذه المسارات له بعض القيود المفروضة عليه امام إسرائيل، فالعلاقات السياسية والديبلوماسية متوترة جداً بين تل ابيب وأنقرة، كما أن السعودية لا تقيم اية علاقة ديبلوماسية مع إسرائيل، فضلاً عن أنه ليس من المؤكد سماح الأردنيين بمرور المقاتلات الإسرائيلية عبر اراضيهم لضرب ايران، بالاضافة الى ذلك لن يستطيع سلاح الجو العراقي منع خرق أجواء بلاده، لذلك يرى الخبير في موسوعة جينس "شارلز هالوسي" أن إسرائيل ستستخدم مسار الوسط، في حال تبنيها للخيار العسكري في التعامل مع الملف النووي الإيراني. من جهة أخرى، سيكون الجيش الإسرائيلي في حاجة ماسة لاتخاذ قرار حول نسبة الارتفاع التي من المقرر أن تحلق بها الطائرات الإسرائيلية المقاتلة، فالطيران بارتفاع كبير سيحمي الطائرات من قوات الدفاع الجوي، للدول التي ستمر عبر اجوائها الطائرات الإسرائيلية، غير أن ذلك سيكشف الطائرات ذاتها لأجهزة الرادار الإيرانية، وعن ذلك يقول الخبير البريطاني "دجلاس باري": "سيظل الطيار الإسرائيلي في مقصورته خلال عملية التحليق لمدة لا تقل عن 3 ساعات قبل قصف الأهداف الإيرانية، الا إذا استخدمت إسرائيل مسار الوسط فستكون المدة عندئذ أقل من ذلك". كما اعرب الخبير البريطاني عن تقديراته أن وقت التحذير من هجوم إسرائيلي لن يكون طويلاً لدى الجمهورية الايرانية، وأضاف: "لا أثق في أنهم سيتلقون تحذيراً من هجوم إسرائيلي قبل ساعتين، إذ سيحاول الإسرائيليون باستماتة طول الوقت عدم كشف طائراتهم أمام منظومات الرادار الإيرانية". واستشهد الخبير البريطاني على رجاحة تقديراته بقصف المقاتلات الإسرائيلية لمفاعل دير الزور السوري في العام 2007، دون أن ترصدها منظومات الرادار السورية، حيث استخدم الجيش الإسرائيلي في حينه ما يُعرف ب "دمج الحرب الالكترونية"، الأمر الذي قلَص من قدرات قوات الدفاع الجوي السورية، كما حال دون رصد النقطة التي وصلت اليها المقاتلات الإسرائيلية.