يعاني الناس مع تقدم أعمارهم من نقص، أو عوز، في الفيتامينات، فكبار السن يعانون في العادة نقص فيتامين «بي 12» مثلا، لأن إفرازات أحماض المعدة تقل لديهم مقارنة بالشباب، ولهذا فلا يمكنهم تمثيل الفيتامينات غذائيا من المصادر الغذائية. كما أن التغيرات المرتبطة بتقدم العمر تجعل أجسام البالغين الأكبر سنا، أقل كفاءة في إنتاج فيتامين «دي» عند تعرضهم للشمس. النقص أو العوز في فيتامينات معينة، بمقدوره الإخلال بوظائف المخ. وقد يكون النقص في فيتامين «بي 12» واحدا من أشهر الأمثلة على ذلك، إذ إن النقص فيه يمكنه أن يحاكي أعراض مرض ألزهايمر - وهو أحد أمراض العته - وأنواع أخرى من أمراض العته، لأن هذا النقص يتسبب في حدوث حالات فقدان الاتجاه، والتشوش. ويمكن للإنسان علاج النقص فيتامين «بي 12» بتناول الغذاء المعزز بهذا الفيتامين، وهو الأمر الذي لا يتطلب إفراز أحماض المعدة لتسهيل امتصاصه. كما تزداد الدلائل على أن حالات نقص الفيتامينات الأخرى، ترتبط أيضا بحدوث العته. وهذا ما دفع الباحثين إلى دراسة تأثير تناول حبوب الفيتامينات - كما كان الحال بالنسبة إلى الدراسات المماثلة على تأثير فيتامين «بي 12» - على درء العته، أو في علاج أعراضه عند أول ظهورها. * فيتامينات «بي» * ثلاثة من فيتامينات «بي» - وهي: «بي 6» B6، و«بي 12» B12، وحمض الفوليت folic acid - تساعد في تحلل «هوموسيستين» homocysteine، وهو حمض أميني يتم إفرازه في عملية الهضم. وقد عثرت دراسات في علم الأوبئة على نتائج تشير إلى أن مستويات الهوموسيستين العالية ترتبط بظهور نوعين من الأمراض: أمراض القلب والأوعية الدموية، وكذلك مرض ألزهايمر. ولا يزال سبب وجود هذه الصلة، غامضا. إلا أن إحدى النظريات تشير إلى أن فيتامينات «بي» تؤثر على وظائف الإدراك بشكل غير مباشر وذلك بالعمل على الحفاظ على مستويات الهوموسيستين في نطاق طبيعي - يحدد عادة بين 5 و15 ممول/ل (ميكرومولاً لكل لتر). وعلى سبيل المثال فقد وجدت دراسة أن كل زيادة بمقدار 5 ممول/ل في الهوموسيستين تزيد من خطر حدوث مرض ألزهايمر بنسبة 40 في المائة. إلا أن نظرية منافسة لها تشير إلى أن ارتفاع مستويات الهوموسيستين ليس سوى أمر يخفي وراءه مشكلة أخرى تقود إلى العته، وهي النقص فيتامين «بي». وبغضّ النظر عن آلية حدوث هذه العملية، فإنه لا يوجد دليل كاف يتيح تقديم توصية لتناول حبوب (مكملات) فيتامينات «بي»، لدرء تدهور الإدراك أو لعلاج العته. وكان أغلب الأبحاث مخيبا للآمال، ومثال ذلك بحث تعاون فيه العلماء ضمن «الدراسة التعاونية حول مرض ألزهايمر» Alzheimer›s Disease Cooperative Study التي أجريت فيها تجارب مراقبة عشوائية كبيرة، واستخدمت فيها الحبوب الوهمية على مرضى مصابين بحالات متوسطة من مرض ألزهايمر، تناولوا جرعات عالية من فيتامينات «بي» على مدى 18 شهرا. ورغم أن الفيتامينات قللت من مستويات الهوموسيستين بمعدل 31 في المائة في المتوسط، فإن حبوب هذه الفيتامينات لم تبطئ تدهور الإدراك لدى المشاركين، وهو التدهور الذي تم قياسه في اختبارات على التفكير والذاكرة. وقد أثبتت هذه النتائج، الاستنتاجات التي قدمتها دراسة مراجعة أجراها علماء في مؤسسة «كوكران»، وهي مجموعة دولية تضم خبراء مستقلين. وقد وجد هؤلاء العلماء أن ثلاثة من أبحاث المراقبة العشوائية التي استخدمت فيها حبوب وهمية، قد أظهرت أن تناول حبوب فيتامينات «بي» لم يقُد إلى إبطاء المرض لدى المصابين بالعته أو لدى المصابين بخلل طفيف في الإدراك (وهي الحالة التي تسبق غالبا حدوث مرض ألزهايمر). وقد يكون من المحتمل أن المرض - بعد أن تظهر حالات العته أو تدهور الإدراك - كان قد تطور بشكل كبير بحيث لا يقدم تناول حبوب فيتامينات «بي» أي فائدة ضده. وإضافة إلى هذا فقد أفاد باحثو «كوكران» أيضا أن الأبحاث الثلاثة من أصل أربعة، قد توصلت أيضا إلى أن حبوب فيتامين «بي» لم تكن فعالة أكثر من فاعلية الحبوب الوهمية في وقاية الإدراك لدى الأصحاء من كبار السن أو في إبطاء عملية تدهور ذلك الإدراك مع تقدمهم في العمر. * فيتامين «دي» * يوصف فيتامين «دي» D بأنه «فيتامين أشعة الشمس» لأن بإمكان الإنسان إنتاجه بنفسه بعد تعرض جلده للشمس. إلا أن فيتامين «دي» هو هرمون في الواقع، وأحد أكثر أدواره المشهورة هو عمله في إرسال الإشارات إلى الأمعاء الدقيقة كي تمتصّ الكالسيوم، الذي يبني العظام ويقويها. إلا أن العلماء اكتشفوا أخيرا أن فيتامين «دي» يسهم في تعزيز الصحة بطرق متنوعة. وبالنسبة إلى صحة المخ فإن فيتامين «دي» مهم بشكل خاص لأنه يحافظ على صحة الأوعية الدموية، التي تغذي خلاياه بالأوكسجين والعناصر الحيوية اللازمة. وإضافة إلى ذلك فإن خلايا الدماغ نفسها تحتوي على مستقبلات فيتامين «دي»، الأمر الذي يفترض أن هذا الهرمون يؤثر على أنسجة المخ بشكل مباشر. ورغم تفاوت الدلائل، فإن غالبية الدراسات في علم الأوبئة قد توصلت إلى الاستنتاج بأن العوز في فيتامين «دي» يرتبط بتدهور الإدراك وظهور العته. وعلى سبيل المثال فقد عثرت دراسة على 225 مصابا شُخصوا بمرض ألزهايمر كانوا يتمتعون برعاية في العيادات الخارجية في هولندا، على علاقة متبادلة مباشرة بين المستويات المنخفضة من فيتامين «دي» - كما تقاس في أثناء تحليل الدم - وتدهور أداء المشاركين في «اختبار الحالة العقلية الصغير» the Mini - Mental State Examination، وهو اختبار شائع يستخدم لتقييم وظائف الإدراك. إلا أن «الاختبار المسحي الثالث الوطني للصحة والتغذية» Third National Health and Nutrition Examination Survey الذي شمل 4809 من كبار السن (بين سن 60 و90 سنة) لم يجد أي صلة بين مستويات فيتامين «دي» والأداء في اختبارات الإدراك. كما كان من المهم ملاحظة أن البالغين الذين كانت لديهم مستويات فيتامين «دي» من المستويات الأعلى، أدوا اختبارات التعلّم والذاكرة بشكل أسوأ. ولم تنشر حتى الآن أي دراسة حول مسألة حيوية - ما إذا كان بمقدور حبوب فيتامين «دي» درء تدهور الإدراك أو حدوث العته. ومع ذلك فإن الخبراء يتفقون حول نقطة واحدة، وهي أن الكثير من كبار السن يعانون عوزا في هذا الفيتامين. وقد وجدت المسوحات أن 40 - 90 في المائة من الناس حول العالم - حتى الذين يقطنون في مناطق مشمسة - لديهم مستويات أقل من فيتامين «دي»، أي أقل من المستوى الطبيعي له وهو 30 نانوغراما/مللتر، أو 75 نانومول/لتر. وبما أن فيتامين «دي» يلعب أدوارا متعددة في الحفاظ على الصحة العامة فإن هناك إجماعا على ضرورة تناول البالغين كميات أكثر منه. وأسهل الطرق لذلك هي تناول حبوب هذا الفيتامين، وهي طريقة آمنة ورخيصة. * فيتامين «إي» * فيتامين «إي» E هو مادة مضادة للأكسدة تعمل ضد الجذور الحرة، وهي الجزيئات التي تظهر طبيعيا وتكون ذات نشاط قوي في تأثيراتها الضارة على الخلايا. وتفترض الأبحاث على الحيوانات التي أجريت على المخ أن الأضرار التي تلحقها الجذور الحرة بخلايا المخ قد تسهم في حدوث تدهور الإدراك المرتبط بتقدم العمر، بل وقد تسهم أيضا في أحداث خلل خفيف في الإدراك، وفي حدوث مرض ألزهايمر. أما الأبحاث على الإنسان فلم تجد صلة بين المستويات المنخفضة من فيتامين «إي» وعمليات الخلل الحاصلة في وظائف الإدراك، أو حدوث مرض ألزهايمر. ولذلك فقد طرح الباحثون تساؤلات حول ما إذا كان بمقدور حبوب فيتامينات «إي» أن تدرأ أو تعالج تدهور الإدراك أو العته. وقد بعثت الأبحاث الأولى روح التفاؤل بأهمية حبوب فيتامين «إي»، كما ظهر ذلك مثلا في دراسة عام 1997 شملت 341 مصابا بحالات متوسطة إلى شديدة من مرض ألزهايمر. وقد افترضت النتائج أن تناول 2000 وحدة دولية من حبوب هذا الفيتامين على مدى عامين، قد أخر إدخال المصابين إلى دور الرعاية الصحية (جزئيا نتيجة إبطاء عملية فقدان القدرة على تنفيذ الوظائف بشكل مستقل). إلا أن دراسات مراقبة إضافية لم تظهر أي فوائد لحبوب فيتامين «إي» هذه، على الإدراك. وعلى سبيل المثال فقد توجهت دراسة مراقبة عشوائية استخدمت فيها الحبوب الوهمية شملت 769 من المصابين بخلل خفيف في الإدراك، إلى التدقيق في تأثير تناول 2000 وحدة دولية من فيتامين «إي» يوميا، على إبطاء حدوث مرض ألزهايمر. وبعد ثلاث سنوات لم ترصد أي فروقات ملموسة بين مجموعة المشاركين التي تناول أفرادها فيتامين «إي» وأفراد مجموعة أخرى لم يتناولوا سوى الحبوب الوهمية. إذ ظهر مرض ألزهايمر لدى 16 في المائة من أفراد كلتا المجموعتين تقريبا بعد مرور كل سنة من الدراسة. وظهرت بنتائج مخيبة للآمال في دراسة ملحقة حديثة أجريت بالترافق مع «دراسة المواد المضادة للأكسدة وأمراض القلب والأوعية الدموية للنساء» Women›s Antioxidant Cardiovascular Study التي شملت نساء من عمر 40 سنة فأكثر. وفي دراسة المراقبة العشوائية هذه التي استخدمت فيها الحبوب الوهمية تم تقييم تأثير فيتامين «إي» وفيتامين «سي» C و«بيتا - كاروتين» beta carotene وتوليفة من كل هذه المواد الثلاث، لدرء أمراض القلب. وقد حصرت الدراسة الملحقة هذه بعدد من النساء لا يتجاوز 2824 من سن 65 سنة فأكثر من اللواتي خضعت لسلسلة من الاختبارات أجريت عبر الهاتف خلال 5 سنوات. ولم يجد العلماء أي دور لفيتامين «إي» أو المواد الأخرى المضادة للأكسدة، في إبطاء تدهور الإدراك بين النساء اللواتي كن مصابات بأمراض القلب أو معرضات للإصابة بها. ويدقق العلماء في احتمال أن تساعد توليفة من فيتامين «إي» مع عقار لعلاج مرض ألزهايمر - أو مع أدوية مضادة للالتهاب - في درء تدهور الإدراك أو فقدان استقلالية المريض لاستقلاليته. إلا أنه حتى هذا الحين لا توجد أي دلائل تتيح تقديم توصية بتناول كميات أكبر من فيتامين «إي» لوقاية المخ.