خمسون عملية قتل تسجل يوميا في جنوب افريقيا التي تعتبر من البلدان الأقل أمنا في العالم، الأمر الذي يعزز المخاوف من أن تعكر الجريمة صفو المباريات وأمن المنتخبات والمشجعين الوافدين إلى البلاد في مونديال 2010 . اعتبرت بطولة كأس القارات التي أقيمت في جنوب افريقيا في يونيو 2009، بروفة ناجحة لما ينتظر هذا البلد الذي سيستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم. ولاقت جهود اللجنة المنظمة للمونديال تنويها خاصا من لدن المسؤولين داخل الاتحاد الدولي للكرة القدم (فيفا)، إذ ان رئيس الاتحاد جوزيف بلاتر منح البلد المنظم 7.5 نقاط من 10 نقاط تعبيرا منه عن المستوى التنظيمي للبطولة، في حين أثنى «القيصر» الألماني فرانز بكنباور على زملائه الأفارقة منوها بأن التنظيم «كان رائعا ورائعا جدا ولم تعكر صفوه مشاكل تذكر». إلا أن ما حدث للمنتخب المصري لكرة القدم أثناء بطولة كأس القارات عندما كان ضحية للسرقة في فندقه، والاعتداء الذي تعرض له أربعة مشجعين انكليز العام الجاري أثناء مرافقتهم لمنتخب «الأسود» للكرة المستطيلة، أو حتى حادثة القتل المفجعة التي تعرض لها لاعب كرة القدم النمساوي المعتزل بيتر بورغستالار نهاية عام 2007. كلها أحداث تكشف جميعها عن أن مونديال جنوب افريقيا لن يكون كسابقيه، فالهاجس الأمني كان ولا يزال من أكبر التحديات التي ستواجهها حكومة الرئيس جاكوب زوما واللجنة المنظمة للمونديال في هذه التظاهرة العالمية. جنوب أفريقيا...أقل دول العالم أمنا ورغم الوعود التي أطلقتها جنوب افريقيا للحد من نسب الجريمة، فانها ما زالت تتصدر قائمة الدول الأقل أمنا في العالم. والأرقام لا تشكك في ذلك، إذ تسجل الأجهزة الأمنية يوميا خمسين عملية قتل وأكثر من مائة عملية اغتصاب. ويحاول مسؤولو الفيفا التقليل من المخاوف عبر إطلاق تصريحات بين الفينة الأخرى لطمأنة المشجعين. إلا أن اتحادات المنتخبات المشاركة تدرك تماما أن الوضع في جنوب افريقيا له خصوصيته، ومن ثم لا ترغب في خوض تجربة المونديال من دون اتخاذ إجراءاتها الخاصة. وهذا ما ألمح إليه مدير الكرة في المنتخب الألماني أوليفر بيرهوف عندما ذكر «ان اللاعبين الألمان لن يستطيعوا التحرك بحرية في جنوب افريقيا كما كان الأمر في مونديال ألمانيا 2006 وكأس أمم أوروبا 2008»، مشيرا إلى أن الهاجس الأمني «يبقى التحدي الأكبر بالنسبة للمشرفين على منتخب بلاده». خطة أمنية خاصة واستنادا لهذه المعطيات، عمد الاتحاد الألماني لكرة القدم الى أخذ زمام الأمور وتطوير خطة أمنية، اعتبرت أولوياتها القصوى الحفاظ على سلامة الطاقم الكروي أثناء قيامه «بمهمة جنوب افريقيا». وأسندت إلى هيلموت شبان، رئيس الجهاز الأمني داخل الاتحاد الألماني مهمة إعداد تقرير شامل حول فندق فيلمور الواقع في محافظة غاوتينغ والذي سيستقبل المنتخب الألماني خلال المونديال. وشبان بدوره طالب المسؤولين في جنوب افريقيا بإطلاعه على آخر الإجراءات الأمنية التي اتخذت عقب قرعة النهائيات في كيب تاون، بالإضافة إلى ملخص لتطور الوضع الأمني في المدن التي ستحتضن مباريات المونديال. وأوضح شبان أنه بحاجة «إلى مسودة حول تفاصيل الخطة الأمنية المتعلقة بمكان إقامة المنتخب الألماني والمركز الإعلامي التابع له». كما كشف رئيس الجهاز الأمني أن خبراء أمنيين قام الاتحاد بإرسالهم ضمن البعثة الألمانية لبطولة كأس العالم للشباب تحت 17 عاما والتي نظمتها غانا مؤخرا، وذلك من أجل تدريبهم على ما ينتظرهم في المونديال وأيضا للاطلاع على طبيعة الظروف الحياتية والأمنية في البلدان الأفريقية. «جنوب أفريقيا ليست أفغانستان» من جانبه، يرى الألماني ميكائيل كور رئيس شركة أمنية عاملة في جنوب افريقيا في حوار مع موقع نيوز الألماني، أن النقاش الدائر حول سلامة اللاعبين أثناء مونديال جنوب افريقيا مبالغ فيه، كونه يعتقد «أن المشجعين أكثر عرضة لعمليات السطو أو الخطف من اللاعبين الذين تقوم بحراستهم طواقم أمنية محترفة إلى جانب الأجهزة الرسمية». من جهتها، رصدت حكومة جنوب افريقيا هذا العام 700 مليون يورو لتضاف إلى الميزانية المخصصة لمكافحة الجريمة، والتي من المنتظر أن يبلغ سقفها الإجمالي نهاية البطولة ثمانية مليارات يورو. فضلا عن ذلك، تم توزيع كاميرات المراقبة ووحدات أمنية خاصة في مواقع اعتبرت «ذات أولوية قصوى» كالمطارات والملاعب وضواحي الفنادق التي ستقيم فيها المنتخبات ال 32 المشاركة في البطولة. في المقابل، لم تترك اللجنة المنظمة للمونديال في جنوب افريقيا مناسبة لم تدحض فيها المخاوف الأمنية من أن تعكر الجريمة صفو المباريات، مؤكدة عزمها على تنظيم «تظاهرة كروية افريقية بمستوى يليق بالعالمية». والدليل على ذلك حسب المنظمة، البطولات التي احتضنتها جنوب افريقيا في السابق كبطولة كأس العالم للكريكيت عام 2003 والتي صرح فيها ثلاثة في المائة فقط من المشجعين الأجانب أنهم «راحوا ضحية اعتداء أو سرقة».. وكذلك البطولات السابقة كبطولة الكرة المستطيلة عام 1995 وبطولة كأس افريقيا عام 1996 وغيرها. وإن كان هم جنوب افريقيا هما افريقيا يتجلى في إنجاح أول مونديال يقام على القارة السمراء، فإن الأمن لا يزال المحك والمطرقة الذي لن تظهر خطورته من عدمها سوى عند انطلاق المونديال.