بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1999 وسجنه ونفيه حقق نواز شريف انتصارا قويا في الانتخابات العامة التي شهدتها باكستان ويتجه لتشكيل حكومة مستقرة قادرة على تنفيذ إصلاحات ضرورية لإنقاذ الاقتصاد الهش. وربما لا يحصل شريف على ما يكفي من المقاعد لتشكيل حكومة منفردا لكنه حصل على قوة دفع كافية تجنبه الإضطرار الى تشكيل ائتلاف مع خصومه الرئيسيين مثل حزب حركة الإنصاف بزعامة بطل الكريكيت السابق عمران خان أو حزب الشعب الباكستاني. وشريف (63 عاما) من أقطاب رجال الأعمال في مجال الصلب من إقليم البنجاب وتمكن من التغلب على عمران خان الذي كان يأمل في إخراج البلاد من إطار هيمنة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف وحزب الشعب الباكستاني الذي تقوده عائلة بوتو. وكان الحزبان يشكلان الحكومات عندما كان الجيش -أقوى مؤسسة في البلاد المسلحة نوويا- يسمح بالحكم المدني. وأبلى خان بلاء حسنا ومن المرجح أن يظل قوة لها وزن في الخريطة السياسية ليصبح الشخصية المعارضة الرئيسية في البلاد في حين أن أداء حزب الشعب الباكستاني الذي قاد البلاد خلال السنوات الخمس الماضية كان سيئا وربما يتراجع الى المركز الثالث. وقالت قنوات تلفزيونية وهي تعلن النتائج بحلول ظهر الأحد إن حزب شريف حصل على 94 مقعدا من بين 272 مقعدا جرى التنافس عليها في البرلمان. واستنادا إلى الاتجاهات التي اتضحت من خلال التصويت فمن المرجح أن يحصل على 130 مقعدا وسيكون من السهل عليه الحصول على الأغلبية المطلوبة وهي 137 مقعدا من خلال مساندة مستقلين وأحزاب صغيرة. وضمن حزب حركة الإنصاف 21 مقعدا في حين حصل حزب الشعب الباكستاني على 19 مقعدا. وشابت انتخابات السبت حملة عنف شنها متشددون إسلاميون لعرقلة الانتخابات. ورغم اعمال العنف والهجمات التي سبقت الانتخابات والتي أسفرت عن مقتل 40 شخصا على الأقل كانت نسبة الاقبال على التصويت عالية وبلغت 60 في المئة. وبمجرد أن يتمكن حزب شريف من تحقيق الأغلبية سيخصص له الجزء الأكبر من 70 مقعدا مخصصا للنساء والأقليات الدينية. ولم يتعجل شريف لكي يتولى حكم باكستان مجددا. وبصفته زعيم المعارضة الرئيسي تجنب تقويض حزب الشعب الباكستاني عندما كان يواجه مشكلات عديدة ويصفه محللون بأنه أصبح أكثر حذرا مما كان عندما تولى رئاسة الوزراء مرتين في التسعينات. وقال المحلل السياسي سيريل الميدا "يبدو حقا رجلا مختلفا عن فترتيه المضطربتين في رئاسة الوزراء في التسعينات. الآن يبدو أن لدى شريف تفويضا حقيقيا وكذلك إدراكا للاتجاه الذي تحتاج باكستان أن يتم توجيهها إليه." وتمثل هذه الانتخابات لحظة فارقة في الديمقراطية في باكستان إذ انها المرة الأولى التي ينتقل فيها الحكم من حكومة مدنية منتخبة إلى أخرى منتخبة في بلد اشتهر بالانقلابات العسكرية. لكن انتخابات يوم السبت لم تحقق آمال الكثيرين في انتهاء سيطرة الأحزاب التي تعتمد على المحسوبية في الحياة السياسية بعد سنوات من سوء الحكم والفساد في البلاد. ومن شبه المؤكد أن يشغل شريف منصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة. ويقول شريف وهو محافظ متدين إن الجيش الذي ظل يحكم البلاد لأكثر من نصف تاريخها الذي يبلغ 66 عاما يجب أن يظل بعيدا عن السياسة. لكن سيتعين عليه التعاون مع جنرالات باكستان الذين يحددون السياسة الخارجية والأمنية ويديرون العلاقة الشائكة بين باكستان والولايات المتحدة في الوقت الذي تنسحب فيه قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان المجاورة أواخر عام 2014 . كما يعتقد شريف أن على باكستان إعادة النظر في تأييدها للحرب الأمريكية على التطرف الإسلامي والتي أدرت على البلاد مساعدات بمليارات الدولارات. ومن المرجح أن يمضي شريف -الذي يؤيد سياسات السوق الحرة- في الخصخصة وتحرير الاقتصاد لإنعاش النمو. ويقول إن على باكستان أن تقف على قدميها لكنها ربما تحتاج إلى السعي لخطة إنقاذ أخرى من صندوق النقد الدولي حتى تتجنب أزمة في ميزان المدفوعات. وقال شريف إنه يمكنه التعامل مع صندوق النقد الدولي بمعنى أنه يمكن أن يقبل إصلاحات مثل الحد من الدعم الحكومي وتوسيع قاعدة الضرائب في باكستان للحصول على مليارات الدولارات من الصندوق. لكن مهمته الأساسية ستكون الحد من الاستياء العام المنتشر على نطاق واسع بسبب الفساد المستشري ومشكلة انقطاع الكهرباء المزمنة وتدني البنية الأساسية. ووصف باكستان بأنها في حالة "فوضى" وقال إن مفتاح التقدم هو نموها السريع. وقال محمد مالك وهو مذيع ذو شعبية كبيرة "ربما تكون النتيجة التي كانت أفضل من المتوقع بالنسبة لنواز هي الطائر الذي يلزمه في عنقه." وأضاف "مع أغلبية مقاعد كاسحة وبدون الاضطرار للاتفاق مع شركاء ائتلافيين لتشكيل حكومة لن يكون امامه الكثير من المبررات للفشل في قضايا رئيسية في السياسة مثل الاقتصاد والسياحة." وفي مؤشر على التحديات الأمنية التي سيواجهها شريف قال مسؤولو أمن إن انفجارا استهدف حافلة في منطقة وزيرستان الشمالية أسفر عن مقتل 11 شخصا يوم الأحد. ومن المرجح أن يمضي شريف في التفاوض مع طالبان الباكستانية التي لم تتمكن حملة التفجيرات التي شنتها من عرقلة الانتخابات لكنه ربما يواجه مقاومة من الجيش الذي فقد آلاف الجنود خلال محاربته التمرد. ورغم ما عرف عن باكستان من انقلابات بقى الجيش بعيدا عن السياسة طوال السنوات الخمس التي تولت خلالها الحكومة السابقة رئاسة البلاد وألقى بثقله وراء انتخابات السبت. لكن البعض يخشى من احتمال تدخل الجيش إذا تكررت مظاهر عدم الكفاءة والفساد التي أحبطت الكثير من الباكستانيين خلال فترة الحكومة الأخيرة. ولم يكن لدى بطل الكريكيت السابق خان الزخم اللازم للتغلب على شريف رغم شعبيته بين فئة الشبان من سكان المدن والكثير منهم يدلون بأصواتهم للمرة الأولى. واحتشد هؤلاء الشبان وراء مطالب خان بإنهاء الفساد ووقف الضربات الأمريكية بطائرات بلا طيار التي تستهدف من يشتبه أنهم متشددون على أراضي باكستان والتي ينظر لها على نطاق واسع على أنها انتهاك لسيادة البلاد. وفي تسجيل فيديو قال خان إن هذه الانتخابات ستعزز من الديمقراطية الوليدة في باكستان لكنه أضاف أن حزبه يجمع أدلة على ما أسماه تلاعبا في الأصوات. ومضى يقول "نحن الآن نمضي في اتجاه الديمقراطية. أهنيء الأمة على الأعداد المشاركة في الانتخابات. كان الشبان معي. هذا هو انتصاري."