اعتاد المسافرون الغربيون أن يضحكوا خفية على رجال القبائل البدائية الذين يخشون من أي شخص ٍ يقترب ويخرج آلة تصوير اعتقاداً منهم أنها ستسلبهم أرواحهم. إننا نواجه الآن القصاص العادل. فما أن بدأت الكاميرات ذاتية التكبير أن تتسلط على الوجوه بشكل عام في الثمانينيات، حتى حدث تطور هائل في برامج التعرف على الوجوه. في شهر حزيران (يونيو) اشترت "فيسبوك" أكثر معامل البرمجة تطوراً للتعرف على الوجوه، موقع face.com ومقره تل أبيب، بنحو 60 مليون دولار. وسيصبح من المستطاع قريباً البحث بسهولة عن وجهك على الإنترنت. يا للسوء! فالأفكار التقليدية حول الخصوصية لن تستطيع النجاة مع هذا التطور. هذا الأسبوع في ألمانيا أعاد چوهانيس كاسبر مفوض هامبورج لحماية البيانات وحرية المعلومات، فتح التحقيق في تعامل "فيسبوك" مع الصور. فالشركة تجمع المعلومات عن الناس دون موافقتهم الصريحة، طبقاً لكلام المفوض، وهو خرق لأعراف الخصوصية الأوروبية. أحد البرامج يسمح لأعضاء "فيسبوك" أن "يرسلوا إشارة" للصور مع أسماء أصدقائهم، مما يسمح بقاعدة بيانات فوتوغرافية مع تطبيقات واعدة بالأرباح. (فوكالة إعلان ريدبيبار ومقرها مدينة ناشفيل الأمريكية، على سبيل المثال، تعمل على منتج يدعى فيسديلز، الذي سيسمح للمحال الكبرى بالتعرف على الزبائن في حالة مرورهم بالأبواب وأن يستهدفوهم بالإعلانات الشخصية على هواتفهم النقالة.) لبعضٍ من الوقت كانت برامج التعرف على الوجوه المملوكة ل "فيسبوك" تعرض مقترحات لمساعدة المستخدمين في التعرف على وجوه أصدقائهم. وكان هذا برنامجاً "يمكن إلغاء الاشتراك فيه"- ويعمل بشكل افتراضي، إلا إذا قام المستخدم بتعطيله نشاطات "فيسبوك" ليست ضبابية للغاية في أيرلندا، حيث يقبع مقر عملياته الرئيسي في أوروبا. لكن ألمانيا تأخذ الخصوصية على محمل الجد. فخصوصية البريد الإلكتروني مكفولة في الفقرة العاشرة من الدستور الألماني. وسلطات هامبورج ترى أن الجدل حول خاصية التعرف على الوجوه هو معركة حياة أو موت. تقول "فيسبوك" إنه لن يقوم بعمل ملفات للمستخدمين المستقبليين حتى تتم تسوية الأمر. فقد علق أمر برنامج اقتراح الإشارة للصور. لكن قاعدة البيانات المتواجدة بالفعل تنتهك إرشادات حماية البيانات. تقول سلطات هامبورج منبهة على الإجراءات الصارمة. ويقول كاسبر: "يجب أن يتم حذف قاعدة البيانات المتواجدة"، ويضيف: "إلا إذا ضمن موقع فيسبوك أن كل المستخدمين المعنيين سمحوا صراحة بالتخزين المستمر واستخدام بيانات وجوههم التي يتم تجميعها". وكيف يمكن أن يتأتى هذا أبداً؟ حذف هذه الصور يعني حذف جزء من خطة عمل "فيسبوك"، والتي يبدو أنها تستهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات الشخصية عن مستخدميه قدر الإمكان. انخفض سعر سهم الشركة هذا الأسبوع للنصف مقارنة بمستواه منذ ثلاثة أشهر في الطرح العام الأولى. فامتلاكه للمعلومات الشخصية لزبائنه كأهم أصول لديه ربما يكون هو العامل المسبب لهبوط سعر سهم "فيسبوك". في المجتمعات الحرة، إذا ما كان من الملائم والصحيح أخلاقياً للشركات الخاصة أن تمتلك معلومات كثيرة للغاية من هذا النوع يعد سؤالاً مفتوحاً. أما وأن ثورة المعلومات قد انتقلت من مرحلة بناء البنية التحتية لمرحلة الاحتكار، فلربما يقلق المستثمرون من أن مرحلة خرق الثقة تلك أصبحت قاب قوسين. هناك ديناميكية غريبة بين "فيسبوك" ومستخدميه. ففي اقتراع ل "أيه بي- سي إن بي سي" في شهر آذار (مارس)، وجد أن 59 في المائة من مستخدمي الخدمة لديهم "ثقة قليلة أو معدومة" أنه سيحمي خصوصيتهم. وعادة ما كانت الشركة تدافع عن سياسات الخصوصية "إمكانية إلغاء الاشتراك" مع مبرر السوق الحر أن "فيسبوك" هو خدمة "الاشتراك الحتمي" لتبدأ معه. لكن هذا أمر مخادع. في السوق الحرة، الزبائن غير الراضين يذهبون إلى مكانٍ آخر. عندما يكون المنتج هو الشبكة الاجتماعية المهيمنة، فلا يوجد مكان آخر. فعلاقة المستخدمين ب "فيسبوك" هي أشبه بعلاقة مواطنين بحكومة عن كونها علاقة زبائن بشركة. القول بأن إرادة استخدام "فيسبوك" تنطوي على معاملة مرضية كقول أن استخدام المواطنين للطرق يعني رضاءً عن الحكومة. في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، سوت "فيسبوك" ثماني شكاوى من قبل لجنة التجارة الاتحادية الأمريكية. وافقت الشركة على الحصول على التعبير عن الموافقة من قبل المستخدمين قبل تغيير خصائص خصوصيتهم وأن تأتي بمراجعين للخصوصية مستقلين للعشرين عاماً القادمة. في جلسات هذا الصيف اقترح السيناتور الأمريكي آلبرت فرانكين أن، في نهاية المطاف، على الكونجرس أن يخترع نظام خصوصية جديد لبرامج التعرف على الوجوه, كما فعل مع التنصت على الهواتف في الستينيات. اتخاذ خطوات أكبر ربما يكون ضرورياً. فكرة أن كل صور الوجوه على الإنترنت يمكن أن يتم البحث عنها ما زال من الصعب على الناس أن يضعوا تصوراً لها. بل هو أكثر غرابة عندما نضع في الحسبان مدى حداثة البحث عن الكلمات. لا نعرف بعد كل الاستخدامات التي ستكون لدى خاصية التعرف على الوجوه، لكن بعضاً منها مرجح أن يكون خطِراً. الأفضل المضي قدماً بعناية. بالأحرى مثل الأسلحة متطورة، أو الماءً، التعرف على الوجوه هو سوق يجب ألا تسمح أية ًحكومة مسؤولة لأية هيئة باحتكاره. نقلا عن الاقتصادية